الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

الكيمياء القاتلة التطرف بين الذات الانسانية والعقيدة الدينية

الكيمياء القاتلة التطرف بين الذات الانسانية والعقيدة الدينية
عبد العزيز الخاطر
2008 / 12 / 20
كيمياء التطرف تتمثل فى تماهي العقيدة مع الذات بحيث تصبح هي الذات ويصبح بالتالي تعاطي أي نقد أو مخالفة لهذه العقيدة يتم على أساس انه موجه الى الذات. فالمتطرف لا يرى تلك المسافة الضرورية التى تفصل بين الذات الانسانية المتمثلة فى خلق الله أجمعين وبين العقيدة التى يتبناها هو وقد لا يتبناها غيره من الناس, بل من الواقع جدا ألا يعتنق الجميع العقيدة الواحدة نفسها لأن سنة الله تقتضي الاختلاف . فتراه يثور عندما يحاور أو يسمع لمن يخالف عقيدته أو لا يضمر انسانية لمن يرى أنه يعتنق عقيدة أخرى فيصبح الأمر لديه قضية وجود , ولأن قدرته على التحمل أو معايشة أصحاب العقيدة الأخرى ضئيلة ولأنه يرى فى ذلك فناء لذاته وتلاشياً لها فإنه يسعى الى إلغاء الآخرين وحقهم فى الاختلاف بشتى السبل المتاحة, فيقصي اذا أمكن الاقصاء ويسفك الدماء اذا تطلب الأمر ذلك.
فناء الذات فى العقيدة هو كيمياء التطرف التى يجب ايقاف تبلورها او اشتعالها أو على الاقل تفكيك جزئياتها بشكل أو بآخر . ثمة وسائل عديده لانجاز ذلك منها أو من أهمها اللجوء الى الأسبقية التاريخية لوجود كل من الذات والعقيدة والتركيز على ان الذات هى الأساس أو هي صاحبة الأسبقية ثم يأتي تبني الانسان للعقيدة بمعنى آخر هو أن يولد الانسان ذاتاً ومن ثم يتبنى العقيدة أو المنهج التى يقتنع بها أو به وللعوامل الاجتماعية والثقافية وحتى الجغرافية تأثير فى ذلك فالانسان منتج اجتماعي كما يرى البعض.
وبالتالى للذات الانسانية صفات تميزها عن غيرها من الذوات الأخرى المخلوقة فهى انسانية الطابع أي انها تقبل التعايش وإن كان ثمة اختلاف فى اللون أو في اللسان أو الشكل ولكن الطابع الانساني جامع لما تحته من خصائص اختلافية صغرى. فمن الضرورة أو من مستلزمات الوعي الطبيعي ألا تغير العقيدة المتبناة من هذه القابلية الانسانية للتعايش. بمعنى آخر أن تحافظ هذه العقيدة على انسانية الذات وحريتها فى الاختيار وأن بنت فوقها رؤيتها المختلفة وتصورها للكون ولها كل الحق فى الدفاع عن ذلك والاستماتة في ذلك أيضا بشرط ألا تفرط أو تغفل عن الأساس فى حرمة الذات الانسانية وأحقيتها فى الوجود والتواجد وحرية الاختيار.

التراكم والفهم التاريخي الذى أدى الى فناء الذات فى العقيدة هو الكيمياء التي يخرج بها المتطرف من المختبر فيرى العالم بشكل أحادى وضيق فلا انسانية دون ما يعتقده ولا عقيدة غير تلك التى تخرج مع أنفاسه, والعالم بالنسبة اليه بؤرة ضيقه لا تحتمل غير المختلف. ان اشكالية التطرف هي فى كونه يبدأ بالبعيد ثم يأتى على القريب, فذوات الآخرين تنكمش باستمرار لينفرد المتطرف وحده ذاتاً وعقيدة, كنت أرى ولازلت أن عملية التدريس يجب أن ترتكز على أكثر من مستوى يأتى فى مقدمتها المستوى الانساني ومن ثم المستوى الديني والاجتماعي فاختلاف المدارس والمناهج على أشكالها من الضرورة ألا يخرج عن ذلك فلا يأتى أصحاب مدرسة بعينها بأولوية خاصة بها تجعل من المستوى الديني يلغي ما بعده أو يلغيه أو أخرى ترى فى البعد الاجتماعي الطبقي أو الاثني أولوية على المستوى الانساني مثلا. لا انفكاك من خطورة التطرف الا بادراك المسافة بين الذات الانسانية التى كرمها الله والذى امتلك وحده اعادتها اليه وبين ما تعتقد به أو تتبناه وأن بداية تطرفها يبدأ فى تماهيها مع ما تعتقد بشكل ينسيها أصلها الانساني أو قاسمها المشترك مع سائر البشر وقد يجنح بها ذلك الى شاطىء الاقصاء الذي يرى في الآخرين ذواتاً لا تستحق الحياة لا لشيء إلا كونهم مختلفين وفى ذلك تجنٍ على ما جاءت به جميع الاديان والرسالات بل وتمرد على أمر الله بتكريم الانسان وحريته فى الاختيار وبيان قدرة الله وعظمته فى خلق هذا التنوع والاختلاف حيث لو شاء سبحانه لجعلنا أمة واحدة ولكن حكمته أكبر من أن يحتويها أو يدركها عقل مخلوق أو بصيرة بشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق