الأحد، 3 أكتوبر 2010

الديمقراطية استيرادها - واد غير ذي زرع

الديمقراطية استيرادها - واد غير ذي زرع
عبد العزيز الخاطر
2009 / 2 / 16
عبر التجربة التاريخية التي انتجت ما يسمى بالديمقراطية الغربية يرى البعض أن ثمة ارتباطاً بين هذا المفهوم ومفهوم آخر هو العلمانية أو على الأقل أحد مضامينها أو تفسيراتها . والملاحظ اليوم أن محاولات أقلمة هذا المفهوم وهو الديمقراطية عربياً وإسلامياً باءت بالفشــــل أو في طريقها الى ذلك ، الأمر الذى أدى ويؤدي الى ازدياد تناول واستخدام المفهوم الثاني وهو العلمانية كشرط لابد منه كما يرى هذا البعض أيضا لتمكين المفهوم الأول وهو الديمقراطية من الاستيطان في البيئة العربية والإسلامية . لعل أحد تفسيرات العلمانية هو ما يعد الأقرب الى ربطه بقيام الديمقراطية هو المتضمن حيادية الدولة أمام الأديان في المجتمع . لأن التفسيرات الأخرى التي تصفها بمعاداة الدين أو توصمها بالإلحاد لا يمكن بحال من الأحوال استيعابها ضمنياً داخل مجتمعات هي متدينة بالفطرة كما إن التفسير القائل بحيادية الدولة أمام الأديان يعني من ناحية أخرى قيام المواطنة الحقة لأفراد المجتمع دون تمييز . حتى مع هذا التفسير المتعلق بمفهوم العلمانية تبرز تحديات لا يمكن معها وبسهولة استيعابه في عالمنا العربي والإسلامي أول هذه التحديات هي مع الأكثرية ذات الدين الواحد وهو الإسلام في عالمنا العربي والإسلامي حول الصياغة الدستورية لمحتوى حيادية الدولة والتحدي الآخر هو مع النخب الحاكمة التي لن تقبل مبدأ المواطنة الحقة بين جميع أفراد المجتمع وأن صرحت بذلك علناً إلا أنها تعني في الأساس ما دونها كطبقة متعالية لا يمكن المساس بها فهي فوقية ذات أرث تاريخي إلهي مكتسب . من هنا تأتي صعوبة التأصيل لمفهوم الديمقراطية الغربي في عالمنا العربي والإسلامي برغم ما قيل وما يقال وما يكتب ليلاً ونهاراً عنه ، ما يخيف الغرب اليوم ليس هو غياب الديمقراطية حيث يمكن اعتبار ذلك مدخلاً لكثير من التدخلات وفرض الحلول وتغيير الديمغرافيا والجغرافيا في هذه المنطقة أو تلك من هذا العالم العربي الإسلامي ، ولكن الذى يخيفه فعلاً هو تطبيق الديمقراطية الإجرائية دون وجود أو تطبيق لقيمها ومبادئها التي قامت عليها هناك فى الغرب والتى ارتكزت عليها تلك الإجراءات فتفوز التكتلات والمرجعيات الأولية السابقة لتشكل الدولة - وهي في الغالب اذا لم يكن فى الشمول-  دينية التصور بدرجة أو بأخرى خاصة وان المرجعية الأولى والأقوى تتمثل فى الدين الاسلامي، هنا يكمن خطأ اعتبار حتمية المماثلة وضرورتها لقيام نفس النموذج فى بيئة تختلف كلية عن بيئة النموذج الأصلي ، فما الذي يمكن أن يحمله تطبيق الديمقراطية الإجرائية من انتخابات وصناديق اقتراع مع وجود أرضية مختلفة في هذا العالم ولعل ما حصل في الجزائر في أوائل التسعينيات مثال واضح لما سيكون عليه الأمر في حالة عدم توافق أساسي أولي بين مفهوم العلمانية والديمقراطية كما فهمها وطبقها الغرب . سيكون الاكتساح كبير للقوى الإسلامية وللمد الإسلامي الجارف بعد فشل المشاريع السياسية الأخرى . والغرب على ادراك كامل بهذا ، لذلك يشرع اليوم لتوطين مفهوم أو مصطلح الديمقراطية من خلال ربطه بمفهوم العلمانية الملازم لـه والضروري لإنباته صحياً طبقاً للمواصفات الغربية التاريخية . في ظل هذا الوضع يجد العالم العربي والإسلامي نفسه عاجزاً عن إيجاد البديل الخاص به بالرغم من طرح مفهوم الشورى إلا انه لم يتفق على آلية واضحة عصرية تأخذ بامتزاج الثقافات المعاصرة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ بعد سقوط الأسوار وتحطم الجدران وتآكل الحدود . فالأمة اليوم تتخبط بشكل هستيري بين مفاهيم مستوردة وتتبنى أشكالها وزينتها الخارجية بينما المضمون ينحو باتجاه الماضوية الى أولى درجات الاستبداد فلا الديمقراطية الغربية بتربتها الغربية قابلة للنمو وحروب بوش من أجل ذلك أكبر شاهد على عدم قابليتها للنمو, ولا يمكن للعلمانية  أن تكون ثمرة لهذه الارض المزروعة بالحس الديني والمحملة بالايديولوجيا الدينية حتى النخاع. فالأشكال الديمقراطية التى نراها فى بعض الدول غير الغربية جاءت نتيجة انصهار حقيقي وتقدم فاعل داخل مجتمعاتها وضمن تربتها وبشروطها الذاتية جعلها تتجدد وتنساب مع حركة التاريخ .
علينا أن نتنبه الى أن قيام الديمقراطية فى منطقتنا العربية والاسلامية مرتبط بشروط هذه المنطقة الذاتية والوعاء الثقافي والفكري لها وليس بالضرورة أن يكون مشابهاً لغيره من التجارب والأمثلة فوضع المسألة بشكل مشروط لا يساعد على ذلك لأن المهم هو النتيجة التي يرضاها الناس وتتفق وتطلعاتهم وروآهم بشكل طوعي دون خوف أو اجبار . أما من جانبنا فالإكثار من الحديث عن الديمقراطية وكأنها طوق النجاة دونما التنبه لجذور نشأتها وتاريخ تطورها وشروطها القبلية خاصة المتعلق منها ببنية المجتمع التحتية وطبيعة هذه البنية واختلاف التجربة الغربية بالذات فى هذا الخصوص نتيجه التحقيب التاريخي الذي مرت بها تلك التجربة خاصة فيما يتعلق بالدين يجعل منا نقاتل فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ .
ومن المعروف أن صور الديمقراطية في العالم الراهن تختلف من مجتمع الى آخر ولكنها جميعاً تتفق وما انتجته تجربتها التاريخية بدرجة أو بأخرى . إن عدم إيجاد صورة عصرية للتعامل مع تراث الأمة مما يجعله مرناً ومنساباً ومستوعباً لروح العصر من مواطنة ومساواة جعل الأمة في وضع لا تحسد عليه بين الاستيراد الناقص لمستلزمات العصر الفكرية بعد أن أوغلت في استيرادها لمستلزماته مادياً وبين ضياع تراث كان الممكن أن يغنيها لو أحسنت استغلاله فكل مانراه فى الأمم الأخرى من تقدم وديمقراطية وانسانية هو فى الحقيقة تصالح بين التراث ونظرة أهله اليه كباعث ومخزون متحرك لا ينضب ولا يتجمد على صورة واحدة بشكل يغدو كجثة هامدة يقتتل حولها الورثة أيهم أحق بالأخذ بثأرها فى غير ادراك بأن التراث يموت اذا لم يتطور وإن كان يملك آناء الليل وأطراف النهار الأمر الذي يجعل من أصحابه أمواتا أيضا ولكن لا يشعرون.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق