الأحد، 3 أكتوبر 2010

دين السلطة أم سلطة الدين

دين السلطة أم سلطة الدين
عبد العزيز الخاطر
2009 / 1 / 13
الدولة العربية ليست دولة مواطنة لا أحد يختلف على ذلك وليست دولة دينية بالمفهوم الدقيق للكلمة ولكنها تزاوج بين السلطة والدين بشرط أن يكون هذا التزاوج لصالح السلطة دائما وتبريرها, مأساة غزة المعاشة تثبت ذلك وتؤكد اصرار السلطة العربية على حماية مكاسبها وأنه لا ثوابت الا بقاؤها واستمرارها , لم تأبه لهيجان الشارع العربي فهى ليست معنية بذلك فالوطنية تتمثل فى بقائها واستمرارها وعاد منها وفد علماء المسلمين بخفي حنين لأنه لا يملك سوى النصيحة فهى المتفضلة بحضانته وبقائه بجوارها للاستخدام وقت الحاجة التي تراها هي . فالسلطة العربية عادة لا تحتاج الدين مع الخارج بل تلتحف بشعارات يعرفها هذا الخارج بل وتدخل فى تكوينه ومراحل تطوره مثل الديمقراطية والشفافية والمجتمع المدني الخ فحاجة الدين لديها داخلية فى الدرجة الأولى لتبرير وجودها وعدم الخروج عليها واضفاء الصبغة الدينية على أفعالها وكراماتها فعلماء الدين لديها للاستهلاك المحلي . ثمة بون شاسع بين سلطة الدين ودين السلطة فدين السلطة هو ما يعمل على استمرارها وبقائها وخداعها وتنكرها للتاريخ ولسنة التطور أما سلطة الدين فهى مطلقة وترعى مصلحة الأمة , ما نراه أو مايبرز لنا من الدين هو دين السلطة ورجاله رجال سلطة فى المقام الأول.
ففي الوقت الذى تفقد فيه السلطة في العالم آليات الشراسة التي عرفت عنها وتصبح أكثر قبولاً وتجاوباً ، تزداد السلطة العربية بطشاً وتنكيلاً ومراوغة وخداعاً للتاريخ حتى في أضعف أوقاتها وهوانها على الناس وفقدانها لنقطة الحياء الأخيرة في وجهها الذي زالت مع الزمن آدميته وانسانيته . انها حالة من الشذوذ التاريخي لم يشهد العالم لها مثيلاً من قبل ، حتى أن الإنسان العربي بدأ يتلمس أطرافه وينظر الى نفسه في مرآة الزمن ليتأكد من كونه بشراً سوياً مثل غيره ، تبدأ السلطة العربية بالمغازلة في حالات وبالاحتواء في حالات أخرى لتنتهي بعد ذلك بالانقضاض على فريستها فرداً كان أم مجتمعاً وتلتهمه ومن يشذ فهو مطاردُ حتى أطراف الدنيا ومطلوب لنشوزه حتى آخر العمر .
كانت السلطة العربية صماء بكماء لا تعرف للحوار سبيلاً ، لها رجال مخلصون ينفذون أوامرها وكأنها من لدن عزيز حكيم . حتى مع تغير الظروف وانكشاف القناع عن صورتها البشعة لا تلجأ الى الحوار إلا على استحياء وسرعان ما يدفـــع من أجبرها على ذلك الثمن غالياً . كم هو مسكين الإنسان العربي عندما يُتهم في تركيبته النفسية كونها سبب إفراز مثل ذلك النمط من السلطة ، ثمة تناقض يسحب أطرافه في كل اتجاه وصوب فهو من ماض لـه ثقافة في بعض أبعادها تدعوه الى الانصياع والخضوع استجابة لفهم تاريخي للنصوص " كما تكونوا يولى عليكم " وسلطان جائر خير من فتنة تدوم ، وبأنها اختيار إلهي لابد من الايمان به والرضوخ لــــه . وفي أبعاد ثقافية أخرى تؤكد لـه على حرية الإنسان في اختياره لقدره ومصيره ومن يتولى أمره ، لعل اللحظة الفارقة في تاريخنا العربي فشلت في إدراج العقل كمنهج للقياس وحسمت الأمور لغير ذلك ففي الوقت الذى يعتمد فيه عالم اليوم على قوة أخرى معرفية غير البطش والتنكيل تقوم على استيعاب الآخر المعارض بل والعمل على إيجاده لتكتمل الصورة حيث باضدادها تتمايز الأشياء ، تعيث السلطة العربية في الأرض فساداً بدءاً بالمناهج التربوية وانتهاءً بنواحي الحياة الأخرى المتعددة لتجني بعد ذلك مجتمعاً مروضاً تسجنه في خطاب معين مموج مضمونه التسبيح بحمدها آلاء الليل وأطراف النهار ليخرج بعده جسداً مستعبداً . إن هوية الإنسان في قدرته على الاختيار فيما يهم أمور حياته من مهده الى لحده ولكن السلطة العربية سلبت منه عبر حياته نعمة الاختيار إلا فيما يتعلق بمكان لحده وكيفية الانضواء داخله جسداً دون روح . إن حرية الفضاء الذى نمارس فيه صيحاتنا وشتائمنا لنأوي بعد ذلك الى مخادعنا راضين بما قدمناه لمجتمعنا ولأجيالنا صورة أخرى من صور تنكيل السلطة العربية بوعي إنسانها المقهور حيث يظن أن الوضع قبل صراخه شيء وبعده أصبح شيئاً آخر ، ولم يدرك بأن للتاريخ عبئاً يتطلب أكثر من ذلك وغاب عن باله أننا أكثر شعوب العالم صراخاً وفخراً وبكاءً على الأطلال .
لقد بلغ بالسلطة الأمر أنها تستدعي المجتمع لإصلاحه حين علت صرخات ودعاوى الإصلاح من أطراف العالم المختلفة بدلاً من أن تعود هي أدراجها لتستلهم المشروعية من داخلـــــه ، عجزت عن استخلاص الاحترام لها فزرعت الخوف بدلاً عنه فهو صناعه سلطوية عربية بكل اقتدار ، فالعربي خائف في جوعه وفي شبعه في صدقه وفي كذبه حتى في انتصاره خائف ، كيف نعجب حين يتحول النصر عندنا الى هزيمة والهزيمة الى نصر حسب رغبة السلطة طالما هي من يملك حق التفسير وكتابة التاريخ وعلى الشعوب تحمل فاتورة ذلك نصراً كان أم هزيمة ، والأدهى حين تغضب وتزمجر عندما يتدخل الغير للعلاج كيف لا وهي أدرى بالعلاج وبمواطن الألم والمرض ولم تدرك لحظة أنها بيت الداء والخبث أو لعلها تدرك ولكنها في أتساق مع الانتقاء الثقافي لتراثنا الذى لا يجعل مكاناً آخر يمكن القبول به بين صدر العالمين أو القبر .


هناك تعليق واحد:

  1. سلطة بكماء صماء ولها حراس ملكيين اكثر من الملك
    يعيشون من اجل السلطة اكثر مما تسهم السلطة في اعاشتهم فعليا . تخلقهم ماكنة التقديس الازلية لاستمرار الحال على ما هو عليه

    ردحذف