الأحد، 3 أكتوبر 2010

تمْ يا طويل العمر

تمْ يا طويل العمر
الخصوصية العربية في حل الخلاف الى متى هى فاعلة ؟
عبد العزيز الخاطر
2009 / 1 / 21
كان جون فوستر دالاس وزير الخارجية الامريكية الشهير فى الخمسينيات يتبنى سياسة عرفت باسمه فيما بعد تسمى سياسة دفع الأمور الى الهاوية لكى تنحل, لا أدرى كيف قفزت الى ذهني تلك الصورة واسترجعتها ذاكرتي وأنا أرى القادة العرب وهم يتعانقون ويتبادلون الأحاديث الودية ويمسكون بأيدي بعضهم البعض وكأن شيئا لم يكن أو كأن الشعوب العربية لم تكن على ترقب ودعاء وابتهال بأن تمر قمة الكويت هذه والأمة لاتزال تحمل مسماها نظراً لما حدث منذ مأساة غزة من دمار شامل ليس فقط على مستوى المادة والأرواح وانما على المستوى المعنوي الايماني بالانسان العربي والثقه به وبأحقيته فى الوجود وأحقيته في امتلاك زمام أموره بل أكثر من ذلك شعوره بالغبن والارتياب من قياداته وبأنها خذلته , قاموس جديد بان فى الأفق وتهيأت الأنفس لاستدراجه والتعود عليه, قاموس يدفع بالأمة الى التناحر والتقاتل الاهلي وصولا الى شكل من أشكال الاتفاقات الاهلية ترتضيها الأمم بعد استنزافها لتاريخها حتى أمده الاخير وهو ما تحاول الأمة القفز عليه دائما وكسر حلقته التاريخية.لاشك أن استشعار الجميع بأن الأمور وصلت الى الهاوية هو ماجعلها تنسحب لتتراجع حتى المربع الأول من نقطة البداية الناصعة البياض. كان مشهد القادة العرب أشبه بالمدعوين الى اجتماع عزاء, ارث ثقيل من الحزازات والتراكمات النفسية تركتها مأساه غزة , ووجوم لتداعيات الموقف وانفلاتاته , قمه الكويت هذه سبقتها رائحة احتضار, وشهادة وفاة ومشهد تأبين ووفد من المعزين ينتظرتشييع أمة العرب. ولكن ما الذي جرى وما الذي حصل لينقلب المشهد فى لحظات الى نقيضه, ويسود الأمل وتعود الروح المعنوية وترتفع الابتسامة وتبتهج الأمة بعد طول تجهم, وتنقلب التعليقات من نقد الى مدح وينتظم الجميع فى موكب واحد هو موكب الاشادة والمديح هل تغير زعماؤنا أم تغيرت الشعوب, هذه الحالة الخاصة بأمتنا العربية تحتاج الى دراسة فى طبيعة تكوينها ومدى تأثير ذلك على اتساقها وعصرها وطبيعته وآلياته المحددة لظروف البقاء فيه.على كل حال ان قمة الكويت تطرح تساؤلات ونقاط هامة على المراقب لعلي أوجز بعضاً منها فى الاتي.
أولا: لاشك أن الانفراج كان نتيجة للعودة لاسلوب العرب فى حلهم لمشاكلهم بعيداً عن أي منهج علمي محدد ومستأصل لجذور الخلاف نفسه والدليل سرعة الانجاز وآنيته ثم صدوره من قائد عربي عرف عنه حبه للطبيعة العربية وتمسكه بها يطلب الترفع عن الخلافات والدفع بالشيم لتحقيق ذلك فمن الطبيعي أن تكون الاجابة العربية التقليدية : "تم"
ثانيا: يجب تحويل النوايا الى برنامج عمل واسقاط المعطى العربي المعنوي الذي تألفه الطبيعة العربية وهو الموافقة عند وضع الأمور فى الشيمة على الواقع العملى الملموس واستثمار ذلك وتحويله من قيمة مترفعة مؤقتة الى آلية باسرع ما يمكن.
ثالثا: لا يغني ذلك عن البحث عن حلول جذرية لأصل الخلاف حتى لا تعود وتطفح على السطح ثانية عند أقرب نازلة , وفى هذا المقام تبدو أهمية المكاشفة والشفافية فى كثير من الأمور مثل : العلاقات مع اسرائيل , الموقف من ايران, الموقف من حزب الله الى آخر الأمور الشائكة التى لم تبحث فى القمة وقد تثير الخلاف لبنيويتها ومركزيتها فى العلاقات البينية العربية.
رابعا: على القاده التيقن بأن عصر الصورة الذى نعايشه يطلب منهم سرعة اتخاذ القرارات الأمر الذى يفرض عليهم وضع أولويات وخطوط حمراء فى أجنداتهم لقضايا الأمة لأن سبق الصورة يمثل ضغطاً عليهم ويبعدهم عن شعوبهم فهو أصلا نتاج ديمقراطي تتفاعل معه الأنظمة الديمقراطية بكفاءة ولا يستقيم الأمر لغيرها ما لم يتلائم مع هذه الطبيعة .
خامسا: الادارة الامريكية الجديدة تترقب وتدرس ردود الأفعال العربية لتبنى استراتيجياتها ففرصة العرب فى تفعيل مصالحة الكويت ذهبية ولايمكن التفريط فيها لقوم يعقلون لابد وأن القاده على ادراك بذلك.
سادسا: يجب تفعيل آليات المقاومة للأمة كمجلس الدفاع العربي المشترك والمقاطعة حتى وهم ضمن برنامج السلام وأهميته الاستراتيجية فالسلام القائم على العدل يتطلب قوة تحميه أو ورقة ضغط يلوح بها وقت الحاجة.
سابعا: توصف الشعوب العربية بأنها شعوب شابة أي أن النسبة العظمى فيها ممن هم فى سن الشباب وهذه نقطة لابد وأن توضع فى الحسبان حيث التفاعل يتطلب ديناميكية مختلفة خاصة مع ما نشهده من تقدم تقني وانفتاح فضائحي على كل شيء ويكفى الاشارة الى تغطية الجزيرة لأحداث غزة وتأثيرها على الشارع العربى بشكل كاد أن يفقد بعض الأنظمة توازنها.
ثامنا: سرعة التحرك نحو التحول الديمقراطي التدريجي فالآلية العربية التقليدية في حل الخلافات ليست دائما صالحة والانفعال ما إن يهدأ حتى يعود ثم إنه منطق العصر ولايجب التنكر له فهو صيرورة التاريخ التى لا يبغي عنها حولاً طال الزمن أم قصر ولا أظن أن وعي أمة العرب قاصر فى ذلك عن أمم المشرق أو المغرب من بنغلاديش حتى أقصى الغرب.
على كل حال نحن فرحون بانجاز الأمة فى قمة الكويت التى أريد لها أن تكون اقتصادية ولكن همّ الأمة المزمن حولها الى أن تكون سياسية وشعبية حتى النخاع . لقد آن للأمة أن تتجدد وآن لها أن تتغير بارادتها وآن لنفسيتها أن تتحول من الشك الى الطمأنينة بقدراتها وامكانياتها, فالثبات والازمان مذمومان فعادة المياه أن تجري فهي إن توقفت اسنت وتراكمت فيها الطحالب, فاذا أردنا لمؤتمراتنا النجاح فاربطوها بارادة الشعوب وارفدوها بالجديد من الأجيال فإن سنة الكون تقوم على التغيير والاستبدال وهو ما أدركه الغرب وغيره من شعوب الأرض الحية .فاذا ما كانت طبيعة حل الخلاف بالطريقة العربية التقليدية نقطة ايجابية فى تاريخنا العربي مع الايمان بضرورة تطويرها فإن تأبيد السلطة وازمانها والتشبث بها حتى الرمق الأخير يفقد مؤتمراتنا قيمتها الحقيقية والفاعلية المطلوبة منها ويجعل من الكرسي وشاغله فوق الأمة ومصيرها ومستقبلها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق