الأحد، 3 أكتوبر 2010

أمة فى العناية المركزة

أمة فى العناية المركزة
عبد العزيز الخاطر
2009 / 2 / 15
استدعاء أموات وغرباء بعد أن عقّ الأبناء
عندما رفض الشعب البريطاني التجديد لتشرشل رئيس الوزراء المنتصر بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة هل كان يضع انجاز الماضي في ذهنه ؟ وعندما ثار الشعب الفرنسي في الستينيات من القرن المنصرم على ديغول قائد فرنسا أثناء الاحتلال النازي والزعيم الملهم ومؤسس الجمهورية الخامسة وأسقطه هل كان يدرك تماماً ما قدمه ديغول لفرنسا ؟ مع العلم أنهم كانوا أحياء ولا يزالون يمارسون حياتهم ونشاطهم السياسي وبكامل قواهم العقلية .
 أعتقد بأن الثورة المعرفية التي وصلت إليها تلك الشعوب وضعت الإنسان ضمن حجمه الطبيعي وعظمت من قوة وإدراك الشعوب لمصيرها وما ينتظرها . وهي بذلك تصنع واقعاً جديداً للتعامل مع ما يستجد وتفرض بالتالي إرادتها وتعمل وفق مصالحها . فالثقافة هناك ثقافة في حالة صيروره دائمة وليست ثقافة مبسترة . لنر الآن كيف يتعامل أصحاب الثقافــــــة المبسترة ( نحن ) مع الواقع المتجدد دائماً وما يعانونه من مشاكل وكيفية حلها .
 عندما اغتصبت نساء العراق من قبل جنود الاحتلال الامريكي صاح أصحاب الثقافة المبسترة " وامعتصماه " وعندما ظلم الجلادون الشعوب تنادى أصحابها أين " عمر بن الخطاب " أو  أين " عمر بن عبدالعزيز " وعندما عجزوا عن اقامة الديمقراطية أو فرضت عليهم الديكتاتورية صوتوا " للمستبد العادل " . وبعد مصيبتنا فى غزه صرخنا "واردوغوناه" و" تشافيزاه" و" موراليساه"
هؤلاء بعضهم أموات ومنذ قرون والجدد لهم شعوبهم وثقافتهم التى أفرزتهم بعيدا عن تصوراتنا الابوية التى تختزل الأمة فى رجل وانما جاؤوا من خلال الصناديق ومرجعياتهم شعوبهم فهم اليوم فى السلطة وغدا خارجها ولكن ثقافتنا تخرج الأموات الى النور من قبورهم وتستعير الآخرين بعد أن عجزت عن افرازهم ليحلوا مشاكلنا وتشابكاتها ، ان الموقف الثقافي الحقيقي ينتج عن حالة جديدة تواجه المجتمع أو الأمة تتطلب رؤية جديدة فتتكون بالتالي ثقافة خاصة بهذه الحالة ، أما في حالتنا فالحلول الثقافية المبسترة حيث الإفلاس المشهود . كيف يمكن للمعتصم إذا عاد أن ينتقم لثكلى فلسطين والعراق ؟
وكيف يمكن لابن الخطاب أن يحكم بالعدل بين ملايين البشر اليوم ؟ وبالصورة التي نقلها إلينا التاريخ في عهده المجيد ؟ وماذا يمكن لتشافيز أو اردوغان أو موراليس أن يفعلوا لأهل غزة اذا لم نفعل نحن لهم شيئا؟
بل كيف يمكن أن للمستبد أن يبقى عادلاًً؟
هذا الإعياء التاريخي لا يمكن أن تنهض به الأمم فالثقافة الحقيقية قوة دافعة الى الأمام ذاتياً وبشكل تراكمي . عجزنا منذ تاريخ أولئك الأوائل عن صنع الموقف الثقافي الفاصل المؤرخ لعصر جديد فاكتفينا بمحاكاة نماذج تاريخية عظيمة فردية جاد بها الزمن مرة في ظل وضع لا يمكن أن يتكرر ثانية ونسينا أن هذه الثقافة المبسترة تحمل أيضاً نماذج سلبية يمكن استعادتها لتبرير الكثير من الأعمال والمواقف السلبية ، فصور وأسماء أهل النفاق واضحة في ثقافتنا المبسترة وكذلك أهل الغدر والخيانة وحقق هؤلاء انجازات في ذلك الوقت برغم سوء مسلكهم فما دامت العملية فقط استيراد نماذج أو محاولة استحضارها ولو ذهنياً أو وجدانياً فمن الصعب تبرير الدفاع عن عدم استحضار هؤلاء أيضاً لمن أراد أن يفعل ذلك . طريقة التفكير بجدوى الحل الثقافوي يجب أن تنتهي ولكن يبدو أنها تحولت الى نوع من النمط ينتج نفسه ذاتياً وبدون وعي فنحن نريد من الماضي البعيد العهد الصحابي الأول ونريد من الماضي القريب نماذج كعبدالناصر ومن الماضي الحاضر نموذج الشيخ زايد مثلاً وهكذا جيلاً بعد جيل في حين أن ثقافة النظام  Systemالمغايرة والتي لم ننتجها بعد لا يهمها من يدخل هذا النظام لأنه قادر على إصلاحه ومراقبته وفي أسوأ الحالات إخراجه أو طرده ، انجازهم كبير بلا شك .
أدعو هنا الى خلق الموقف الثقافي الذى يتعامل مع الحدث وينتج عنه رؤية جديدة أو تصوراً جديداً أو كما أسميته في مقال سابق " ثقافة المشروع " فتكرار الأمثلة العظيمة على مسامعنا شئ عظيم ونفتخر به ولكن عجزنا عن التقدم خطوة أكثر من ذلك هو المشكلة وكلما ازدادت الفجوة التاريخية وظل الوضع على ما هو عليه دب الوهن والضعف أكثر وأكثر وانتقل الرمز سواء القديم أو الحديث من فترة الى أخرى وأصبحنا نبكي على الراحل برغم مأساويته وما سبب لنا من كوارث لا لشئ إلا لأن القادم جديد ولم نتعود على ظلمه وغدره وبطشه بعد ، أمة تدير حاضرها من خلال البحث في مقابرها ؛ أمة حق عليها الوبال .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق