الأحد، 3 أكتوبر 2010

العائدون الى التراث اقتناع أم هاجس رحيل؟

2010 / 9 / 18
يختلف الراحل أركون عن سابقيه بوقت قصير وهما نصر حامد ابو زيد ومحمد عابد الجابري فى أنه جاء الى التراث من خارجه وبأسلحه أكثر فتكاً , فى حين أن أبوزيد اعترف أنه ينقده من داخله وكذلك الجابري الذى اتجه به غرباً بشكل أقل حديةً محاولة منه للاستفادة من حفريات فوكو ومدرسة الحوليات التاريخية. فلو حاولنا ترتيب الثلاثة قرباً أو بعداً من التراث من خلال دراساتهم فسيأتي أبوزيد ومدرسة المعتزلة التأويلية ومجازية الجرجاني فى المقدمة وبعدها الجابري ومزجه وأخيرا أركون والسيميائية والفلولوجية وما طبقه من ألسنيات على النصوص .
ما أريد الاشارة اليه هنا ليس تلك الفروق بين باحث وآخر أو تكفير أحد دون غيره كما نشاهد اليوم فطالب العلم لا يكفر ومن رزايا الأمة اتباعها لأقصر المناهج لوأد العقل باسم الخوف على العقل وباسم الخوف من الفتنة. ما يحسب لهؤلاء الباحثين هو تضحيتهم وصبرهم ومكابدتهم وانعكافهم على البحث وانشغالهم بأمور أمتهم حتى آخر رمق من حياتهم. و كم كابد أبوزيد وكم شتم أركون وكم انتقد الجابري بل كم كفروا وأخرجوا من الملة وهم أحياء يرزقون.
ان ثقل التراث العربي والاسلامي وتماسكه ونقله من جيل الى جيل جعل من محاوله دراسته وتفكيكه أمراً شبه مستحيل ومن يقوم به يعد منتحراً قبل يومه فى حين يرفل ناقليه إلينا يوميا بغثه وسمينه فى بحبوحة من العيش ورغد ما عليهم سوى ترديده واجتراره . سطوة الجانب الاجتماعي كانت كبيرة على من يحاول الفرز وإعمال العقل وأساليب البحث والتقصي الحديثة كالتي استعملها أركون والجابري وحتى تلك التى استعملها أبوزيد وهى من داخل التراث الاسلامي إلا انها وئدت مبكرا وتسلط التقليد بعد احراق فكر ابن رشد وكتبه.
ما ألاحظه هنا وأتساءل عنه هو : هل عاد من عاد من هؤلاء المفكرين الى التراث حاكماً لا بديل عنه ومحاولة التصالح معه اقتناعاً منهم أو مجاراة لمرحلة عمرية بدأت بالتمرد ومن ثم بالانصياع كالشمس عند غروبها تخفت أشعتها. من هؤلاء المفكرين طه حسين صاحب الشعر الجاهلي ومحمد حسين هيكل ودعوته للتغريب وزكى نجيب محمود وخرافة الفكر الميتافيزيقي والمسيرى كذلك ومن الأحياء محمد عماره ماركسي البداية وغيره ، كلهم عادوا الى حظيرة التراث واستكانوا بعد ثورة. لعل العديد منهم تعاضد السن والمجتمع على ايوائه داخله والله أعلم, ولكن من يلتزم قناعته أولى بالتقدير وإن لم ينصف فى حياته. ولكن القاعدة لاتستقر الا ببعض الشذوذ برغم استكانة التاريخ والجغرافيا وحياديتهما فمن قلب البيئة النجدية القصيمية الوهابية خرج عبد الله القصيمي شاهرا سيفه على التراث مقطعا أوصاله بعد أن تشربه حتى الثمالة.
 نحن بحاجة الى مدرسة جديدة فى التاريخ لا يقوم فيها الماضي مقام الحاضر ولا يبرز الحاضر حكماً لما قد يفرزه المستقبل إلا بما قد يحفظ للانسان كرامته وحريته وسيادته وخلافته لله على هذه الأرض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق