الأحد، 3 أكتوبر 2010

مجتمعات الدهشة

 
 
تكون الدهشة فاعلة وايجابية حين يعقبها سؤال حيث انها فى الأساس تمظهر لجهل وتعبير عن عدم معرفة , والتطور الانساني عموما جاء لازالة الدهشة عن حياة الانسان , الاديان ذاتها أزالت دهشة الانسان وكشفت له عن أجوبة لأسئلة الوجود. الدولة المدنية والتطور السياسي قلّص من أسئلة الدهشة عند الشعوب بتحويلها الى أسئلة تجد لها اجابات عند مؤسساتها وأفرادها. عندما يشعر المجتمع بأن الدهشة سمة يومية فثمة خطأ فى حياته وثمة توعك فى مسيرته وخطاه.
البرلمانات وجدت للإجابة عن أسئلة الدهشة لدى المجتمعات, الانتخابات وجدت لاظهار وابراز من يستطيع الاجابة عن أسئلة الدهشة المتكررة . المعضلة كما أراها ليست فى الدهشة الايجابية ذاتها أي تلك القادرة على طرح الاسئلة للتخلص من دهشتها ذاتياً , المعضلة فى الدهشة السلبية التى لا تقوى على طرح الأسئلة لسبب ما. عندما يعجز المجتمع عن معالجة دهشته لا يتطور بل يتكور ويستلب. المجتمع المندهش مجتمع معوق لايستطيع فرض رؤيته ولاتحقيق مطالبه , المجتمع المندهش دائما يمسي على شكل ويصبح على شكل آخر , المجتمع المندهش عبارة عن بصّامة rubber stamp
يبصم حتى على شهادة وفاته دون أن يدرى, المجتمع المندهش دائما كحاطب ليل لايعرف مكانه وماذا يلامس أحطب كان أم أفاعٍ, المجتمع المندهش كمن يحمل داءه فى ردائه , المجتمع المندهش مريض نفسياً لأن عدوى الدهشة السلبية تجعله شاكاً حتى فى نفسه, المجتمع المندهش يقول نعم فى النهار ويعقبها بلا خفيفة في الليل بين الجدران, أفراده لا يمكن أن يتغلبوا على فرديتهم لصالح مجموعهم , نزواتهم أولوية وشعارهم الفردية , تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. لا يعرف التاريخ شعباً كالشعب العربي عانى ولم يزل يعاني من الدهشة تمر العقود عقداً وراء آخر, ودهشتهم تزداد مع سرمدية القائد الملهم , وأيامهم تفنى مع الوعود البراقة بالديمقراطية والانتخابات النزيهة , الآباء يرحلون على أمل لا يستطيع الأبناء تحقيقه فتصبح الدهشة مركبة لدى الأحفاد بعد ذلك . حتى المؤتمرات لم تفكك من خيوط دهشتهم المستمرة , أين أسئلة الهزيمة ؟ أين ملفات المسؤولية؟ ومن يتحملها؟ عجزت الشعوب عن طرح أسئلة الدهشة التى انتابتها , فاستمر الاندهاش واستمرأته الشعوب حتى صار ديدنها فاستحقت بحق شعار مجتمعات الدهشة بجدارة . الدهشة فى ذاتها بداية الفلسفة والانجاز فهى التى تحرض على السؤال وهي المقدمة الأولى للخروج من النمطية التاريخية وتفكيك سيطرة الماضي المنقضي على الحاضر الجديد , الدهشة فى مجتمعاتنا عبارة عن مشروع للإجابة فقط وهذا سر عجزها , حتى الاختيارات المتعددة فى الإجابة كما فى الامتحانات المدرسية لا تجدى ولا تمثل مخرجاً أو حلا لانعكاس وضعية السائل والمجيب وتلك مفارقة تاريخية تجعل من الشعوب مصدراً للإجابة فى حين انها من المفترض أن تكون هي من يطرح السؤال.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق