الأحد، 12 أكتوبر 2014

حول الانسان وذاكرة المكان" التدين الفطري والمشترك الاجتماعي




دخل علينا في الفصل الاستاذ الازهري "دسوقي" مدرس العلوم الشرعيه وهو يتافف قائلا "أيه ده حاجه تفلأ"تفلق" اقول له إنا اعطيناك "الكوسر " يقولي لأ "الكوسر" , والاخوه المصريين عموما يلفظون حرف " الثاء" سين وكان الاستاذ دسوقي بالاضافة الى عمله كمدرس في مدرسة الريان القديم الابتدائيه للبنين , يعطى دروسا دينيه بعد العصر في جامع الريان القديم الكبير, وصادف أن قرأ سورة الكوثر كما ذكرت فأعترض عليه أحد الحاضرين من كبار السن وأتهمه بأنه يحرف القران ويسىء إليه وطلب منه التوقف عن إعطاء الدرس ,ثم طلب من الوزاره بعد ذلك بإستبداله بآخر يتقن قراءة القران ومخارج الحروف , عرفت بعد ذلك أن ذلك الشخص هو على بن محمد المعضادي وهو رجل عرف عنه التقوى والمجاهره بالحق وبالاسلوب الصريح والمباشر وبما ياأأمر به الدين. والجدير بالذكر عندما قدم للبلاد بعض الاخوه المصريين من الازهريين لتدريس مادة العلوم الشرعيه والقران أحضروا معهم بعض العادات التي لم تكن مستحبة من اهل قطر أو لم يكونوا قد إعتادوا عليها , كإحضار مقرىء ليوم الجمعه يقرأ على المصلين وهم منصتون او مرددون الله أكبر أو غير ذلك ,واذكر ان المرحوم عبدالله بن محمد بن فهد الخاطر قد نهرَ أحدهم عندما طلب منه الاستماع لقراءته وعدم تلاوتة القران بنفسه قائلا هذه بدعه وكلنا يقرأ القران ويحفظه. كما كانوا ينزعجون من الاستخدام المكثف للمايكرفون سواء نداء أو قراءة, أو التطويل في الخطبه أو الصراخ عند إلقائها, كل هذه العادات ليست من خصائص فهمهم للدين الحنيف , خوفا من تحول العاده الى بدعه ومن ثم تصبح من الدين مع مرور الزمن . الأمر الذين قد خفت حدته بشكل كبير بعدما طغى تدريس الماده نظاميا على مدارس الكتاتيب

إلى جانب تدين الفطره الطبيعي الذي كان سائدا آنذاك كان المشترك الاجتماعي بين أهالي الفريج والمنطقه دليلا على فطرتهم الاجتماعيه النقيه كذلك التي ترى في العيش مشتركا وفي الدين فطرة وفي حسن التعامل مبدأ , في الريان في الستينيات من القرن المنصرم كانت المزارع الكثيره والكبيره المحيطة به عباره عن مشتركات اجتماعيه , يتشارك جميع أهل الريان في استخدامها والانتفاع بها بشكل أو بآخر , كنا خلال الصيف نسبح في بركها المنتشره , ونصطاد من طيورها المتنوعه , ونأخذ من ثمارها وخضارها لبيوتنا,واذكر أنه في مزرعتنا التي تقع اليوم في قلب المدينه التعليمه بركتان للسباحه إحداها على الطراز القديم أما الاخرى فكانت على مستويين للصغار وللكبار , وأذكر أن والدي اشترى مكينتها الضخمه والحديثه في ذلك الوقت ماركة "بلاكستون" من شركة الخليفي وهو من رواد التجاره من أهل قطر في شارع سوق واقف على ما أظن , كانت المزارع هي صيفنا ننتشر بين خضرتها ومائها وطيورها , مجتمع متشارك ,وهي مزارع لافراد سواء من الشيوخ أو من غيرهم , نموذج بسيط للعيش المشترك نفتقده اليوم حين انتقلنا من ثقافة المزارع "الكميونات" الى ثقافة الابراج الانعزاليه التي تشعر صاحبها بأنه صاحب حظوة دون غيره فعليه بالعزله والتوقع خوف من العين والحسد , وظهور ما يشكل الطبقيه الحاده وهو ماحذرت منه طويلا في مقالات عديده منذ ما يزيد على العقد حتى اللحظه حول تحلل وغياب الطبقه الوسطى الهشه التي أنشأها الى حد ما حسن توزيع الريع بشكل يعظم من وجودها .أشهر مزارع الريان , زرع الشيوخ , وزرع "الشقب" الذي به مربط للخيل , وزرع الشيخ علي , وزرع سعيد العلي وزرع أبناء الشيخ عبدالعزيز بن حمد الكرام أوما يسمي ب"الغبيبه"
الريان كان رئه للتنفس وبيئة صالحة للعيش خالية من التلوث وبها من الطيور الكثير , حتى أنه كان بإمكاننا في ذلك الوقت , توفير مايحتاجه البيت من لحم طازج لأسبوع أو لمدة اطول
, الأمر الذي اندثر بعد ازالة هذه المزارع , وأصبحنا نعتمد على دجاج "ساديا" المثلج

وكان الريان نموذجا للتعايش حيث ضم جميع قبائل وعوائل قطر والشيوخ آل ثاني وعدة بيوت للمعاضيد والخاطر والبوكواره والنعيم والمنانعه والكعبان وبني هاجر وآل مره وقحطان والخليفات والمناصير
والمهانده والنعيم والمسافره , هذه جغرافية الريان البشريه حينئذ ولعلى لاأنسى أحدا إلا سهوا بالاضافة الى جاليات آسيويه من باكستان وايران , بعضهم تحصل على الجنسيه لاحقا , وبعضهم لم يتحصل حتى الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق