الثلاثاء، 9 ديسمبر 2025

الخلل السكاني في دول الخليج العربية: قراءة وجودية

 


الخلل السكاني في دول الخليج العربي: قراءة وجودية   

مقدمة


تشهد دول الخليج العربي تحوّلًا سكانيًا غير مسبوق في القرن الحادي والعشرين، يتمثّل في اتساع الهوة بين أعداد المواطنين الأصليين والعمالة الوافدة، حتى أصبحت الأخيرة في بعض الدول أغلبية عددية. ورغم أن الأدبيات السياسية والاقتصادية تناولت هذه الظاهرة من منظور التنمية، إلا أنّ مقاربتها من زاوية وجودية–فلسفية تكشف أبعادًا أعمق تتجاوز مسألة التوازن العددي إلى السؤال حول معنى الوجود المحلي ذاته.


يعتمد هذا المقال على المفاهيم التي يطرحها كتاب «لا مستوطن ولا مواطن» في تحليله للبنى الاستعمارية غير المباشرة، وعلى أدوات فلسفية من هايدغر وفانون وأغامبن، لبيان كيف يؤثر الخلل السكاني على العالم المعيش للسكان الأصلانيين في الخليج، وعلى بنية المكان، وعلى معنى الانتماء.


 


أولًا: الإطار النظري – مفهوم «الوجود المعلّق»


يقدّم كتاب لا مستوطن ولا مواطن تحليلاً لفئات بشرية تعبّر عن حالة «الوجود المعلّق»: حضور جسدي في المكان يقابله غياب في بنية الاعتراف السياسي أو الثقافي(1).

ورغم اختلاف السياق الخليجي عن النماذج الاستعمارية التقليدية، فإنّ المفهوم يساعد في فهم وضع جديد يتشكل:

الأصلاني الخليجي ما يزال معترفًا به قانونيًا، لكنه يواجه احتمال أن يصبح غير معترف به رمزيًا في المجال العام الذي يزدحم بثقافات أخرى.


بهذا المعنى، يصبح المواطن حاضرًا في الوطن، لكن عالمه يتقلّص.



ثانيًا: المكان كـ«عالم» لا كجغرافيا – قراءة هايدغرية


يرى مارتن هايدغر أن الإنسان لا يسكن المكان بوصفه مساحة؛ بل يعيش في «العالم» بوصفه نسقًا من العلاقات والمعاني(2).

وبذلك، يصبح الخلل السكاني حدثًا وجوديًا لأنه يعيد تشكيل:

    لغة التواصل

  و  إيقاع الحياة

  كم يؤثر  طبيعة العلاقات بين الأفراد

  و أنماط الحضور في المجال العام

   وينعكس ذلك  مضمون الذاكرة المشتركة


حين تتغير هذه العناصر، يتغير العالم الذي يسكنه الأصلاني، حتى وإن بقيت الحدود الوطنية ثابتة.



ثالثًا: الكثرة العددية كقوة تغيير غير مقصودة


لا يحمل الوافدون إلى الخليج مشروعًا استيطانيًا، ولا ينازعون السكان الأصليين على السيادة. لكن الكثرة العددية في ذاتها تنتج ما يشبه «الاستعمار البنيوي الصامت»، الذي يتشكل بلا نية ولا صراع(3).


وفق هذه الرؤية، يصبح الأصلاني:

    •    مواطنًا قانونيًا

    •    لكنه أقلية رمزية

    •    يعيش في وطنه

    •    ويشعر أن المجال العام يتكلّم بلغات وثقافات أخرى


أي أنّ المواطن يتحوّل تدريجيًا إلى فئة «داخل الدولة» دون أن يكون «داخل العالم المعيش» كما يصوغه أغامبن(4).



رابعًا: اللغة – تراجع «بيت الوجود»


يعتبر هايدغر اللغة «بيت الوجود»(5).

وعندما تتراجع العربية في:

    •    سوق العمل

    •    المؤسسات الخاصة

    •    التعليم

    •    الحياة اليومية


فإنّ الأصلاني يفقد وسيط الوجود الذي يصوغ علاقته بالمكان وبالآخر.

اللغة لا تُنقل بالتلقين، بل بالاستعمال؛ وحين يصبح المجال العام متعدد اللغات، تتعرض العربية لتهميش غير مقصود، مما يضعف قدرة المجتمع على إعادة إنتاج ذاته.



خامسًا: تفكك الذاكرة – انقطاع السلسلة الاجتماعية


يشير فانون إلى أنّ أخطر أشكال الاغتراب هو فقدان الذاكرة الجماعية التي تمنح الإنسان صورة عن ذاته(6).

وفي الخليج، تشهد الذاكرة تحديات كبيرة حين:

    •    لا يعرف معظم من يشغلون الفضاء العام تاريخ المكان

    •    أو لا يحملون رموزه الثقافية

    •    أو لا يعيشون قيمه وممارساته اليومية


وبذلك تتفكّك السلسلة الاجتماعية التي تربط الأجيال، وتصبح الهوية الأصلانية عرضة للتحوّل إلى «تراث محفوظ» بدلًا من أن تكون ممارسة حيّة.


 


سادسًا: الغربة الوجودية – المواطن الغريب في عالمه


الغربة هنا ليست سياسية؛ بل غربة وجودية:

أن يعيش الإنسان في وطنه، بينما العالم المعيش حوله لم يعد يعكس ذاكرته.

هذه الغربة تتجلى في:

    تراجع حضور المواطن في الشارع

       و غياب لغته الأم من التفاعل اليومي

    و   تغيّر الإيقاع الاجتماعي

كذلك   ضمور الرموز الثقافية التقليدية

وايضاً  تراجع الشعور بالألفة في المجال العام


هذا الوضع يشبه ما يصفه فانون بـ«التشيؤ»، حين يصبح الإنسان «موضوعًا» داخل عالم لا يعترف بعمقه التاريخي(7).



سابعًا: المآلات المستقبلية – من «سكان الوطن» إلى «سكان الهامش»


إنّ الخطر الوجودي في الخليج ليس فقدان السكان الأصليين لأراضيهم أو حقوقهم السياسية، بل انحسار نمط الوجود الذي صنع هويتهم.

بمعنى آخر:

    •    الدولة قد تبقى خليجية،

    •    لكن العالم المعيش قد لا يبقى كذلك.


وهذا الانفصال يهدد بأن يصبح الأصلاني أقلية بلا عالم ثقافي، تمامًا كما تصف نظريات «الوجود المعلّق» في الأدبيات النقدية.



ثامنًا: توصيات وجودية وسياسية

ضرورة. إعادة مركزية اللغة العربية


عبر سياسات لغوية واضحة، تجعل العربية لغة المجال العام.


كذلك مراجعة سياسات الاستقدام


للحد من الخلل البنيوي لا لأسباب عنصرية، بل لحماية “العالم المعيش”.

و. تعزيز حضور المواطن في القطاع الخاص


الاقتصاد جزء من الهوية، ومن غاب عنه غاب عن ثقافة الدولة.

كذلك الحفاظ على الذاكرة عبر التعليم والإعلام


بتضمين عناصر الذاكرة في السرديات اليومية لا في الاحتفالات فقط.


  بناء توازن بين الانفتاح الاقتصادي والحماية الثقافية


وفق نموذج حضاري لا يعزل الآخر، ولا يذيب الهوية.


 


خاتمة


تكشف القراءة الوجودية أن الخلل السكاني في الخليج ليس مجرد مسألة عددية، بل سؤال عن معنى الوجود الخليجي.

إنّه تحوّل في العالم المعيش، وفي بنية المكان، وفي شكل الذاكرة، وفي موقع اللغة، وفي قدرة المجتمع على إعادة إنتاج ذاته.


وبذلك، يلتقي الخليج مع مفهوم «لا مستوطن ولا مواطن» في بعده الوجودي:

فالأصلاني ليس مهددًا بالإقصاء السياسي، بل بأن يصبح حاضرًا بلا عالم، ومواطنًا بلا مجال رمزي يعكس ذاته.

 

 


السبت، 6 ديسمبر 2025

كيف نطور ثقافتنا؟

 ليس تطوير الثقافة حدثاً خارجيا بل هو تحول داخلي في المجتمع  فيرؤيته لنفسه وللعالم من حوله, , فالثقافة ليست مناسبات تقام ولا محاضرات تُلقى ولا كتباً تُقرأ, بل  بل هي بنية عميقة  تشكل احكامنا  وتحكم تصرفاتنا وتنسج ذوقنا العام  وكيف نعيشز

لذلك تطوير الثقافة يعني  تغيير نظرتنا للحياة بما يتلائم مع واقعنا بإستمرار, تحرير الوعي من قوالبه الجاهزة, إعادة تشكيل وعينا بالزمن  فلايأخذ الماض دور الحاضر ولا يستولي الحاضر على حظ المستقبل,, فتح المجال  للسؤال  ولإمكانات  جديدة للمعنى..

ماهي الخطوات لتحقيق ذلك  إذاً

يبدأ ذلك من لغة المدرسة  ومحتوى الاعلام  ونقاشات الشارع  ومحاورات المقاهي  او كما اسماها هابرماس العقل التواصلي اللازم لاحياء المجتمعات بديلاً عن العنف , كما يتضمن تطوير الثقافة , عدم التكرار , تجاوز الصورة النمطية عن الذات  إعادة قراءة التراث بعيون اليوم , السماح بالاختلاف , تشجيع الابتكار , الاعتراف بالهوامش  وعدم استبعادها, التعددية في الفكر  تحمي وتطور الثقافة  وتخرجها من نطاق الطقوس , تشجيع السؤال في المدارس ودور العلم , إعادة اكتشاف الذات مع كل عصر جديد.

نحن بحاجة الى إعادة النظر  فلا نجعل الثقافة  لاحقة بل قائدة ,  لاتبصم وانما تجدد ,  لاتلغي وانما تستوعب ,  لاتتصادم وانما تتجاوز

الجمعة، 5 ديسمبر 2025

, الأعيان , كبار الشخصيات, النخبة"مفاهيم مختلطة"

 تتداخل كثير من المفاهيم والمصطلحات المجتمعية مع بعض , يختلط بعضها ببعض  ويصبح التفريق بينها صعباً , المفهوم أو المصطلح في مجتمعاتنا  بعضه  نتاج الواقع  وبعضه الاخر  مستورد  وهناك مفاهيم قبلية  أدخلناها مجال الدولة  مما وجب بل أصبح من الضرورة بمكان الوعي بها وبجذورها , سأتناول هنا , ما أصطلح عليه المجتمع  حول مفاهيم , الأعيان  وكبار الشخصيات والنخبة أو الصفوة والفرق بين كل منها.

أولاً : الأعيان أو الوجهاء, هذا مفهوم تاريخي لايجب اللعب به  أو كسر محيطه , وهو من المفاهيم المركزية في الفلسفة الاسلامية إلا أن الاستخدام الاجتماعي له يحمل بعداً تاريخياً ويُكتسب من خلال النسب والامتداد العائلي واحترام الناس عبر الزمن  والموقع  القبلي أو العائلي وهؤلاء يمثلون سلطة تقليدية وأذكر العديد منهم في قديماً وحديثاً ولايزالون رغم تداخل المجتمع وزيادة عدد أفراده, حين يأتي الوافد  أو النازل الجديد في الفريج حيث كثيراً ما تطلب السلطات من يزكيه  فيرجع الى هؤلاء في الفريج لكي يخاطبون السلطات بما يعرفونه عنه وعن سمعته تمهيدا  للإعتراف به مجتمعياً, وهم بالتالي ذاكرة المجتمع ويعملون باستمرار على تماسك المجتمع وصيانة وجوده.

ثانياً : كبار الشخصيات :وهو مفهوم ظرفي وليس بنيوي كمفهوم الاعيان أو الوجهاء وينتمي اليه كبار المسؤوليين وبعض المشاهير في  المجال العام  وقادة المؤوسسات , ومكانتهم وظيفية  تستند الى الظهور الاعلامي والعلاقات وهم طبقة متغيرة قد تختفي بإختفاء أسباب وجودها كزوال النفوذ والمنصب أو الثروة وهم يمثلون في الاخير صورة من صور النجاح الفردي.

ثالثاً:النخبة أو الصفوة فهي تختلف عن غيرها  حيث تستمد وجودها من الفكر والعلم والانجاز  الفكري والثقافي والاخلاقي, وتضم العلماء والادباء  والقدوات الاخلاقية وشخصيات المجتمع المدني. تنزلق مجتمعاتنا نحو الخلط بين هذه المفاهيم, أو الحكم عليهم من خلال  نظرة سطحية , كعدد المتابعين  لاجودة المحتوى أ و بالمنصب دون النظر الى الثقافة أو على الشكل دون المحتوى.

الخلطة المناسبة التي أراها كالتالي  , عودة الاعتبار الى النخبة الفكرية وتنقية مفهوم الاعيان مما لصق به  من تراكم لم يأخذ بالبعد التاريخي والاجتماعي اللازم له  وتوجية كبار الشخصيات  لخدمة المصلحة العامة أولاً. لكي يتوازن المجتمع ولايفقد مرونته  وخطواته نحو الامام

الجمعة، 28 نوفمبر 2025

حفلات الزواج ومآتم العزاء بين الواقع وضغط المجتمع

  الزواج في خلاصته  فعل إنساني  مجرد قرار  بين شخصين  في بناء حياة مشتركة بينهما, أما العزاء  فهو شعور بالتضامن  بين افراد المجتمع مع من فقد عزيزاً لديه, كيف تم تحويلهما  من هذا الواقع الذي عايشه الاباء والاجداد الى تمثيل إجتماعي  بفعل التراكم والتقليد وأثر ذلك على المجتمع, مجرد لحظتين زمنيتين , لحظة فرح ولحظة حزن كيف تحولا إلى  مؤشرات مكلفة  لتمثيل المكانة وإعادة إنتاج  البئية الطبقيه والاجتماعية في المجتمع , مما أضاع الانسان بينهما  كمؤثر ومتأثر, وكيف أرهقت ميزانيات الاسر  من خلال المقارنات  محاولة للتقليد للبقاء في صورة مزيفة ارضاء لرغبة المجتمع في التباهي  بالهوامش لا بالموضوع,  لنرى

 أولاً: مايحدث في حفلات الزواج مثلاً وهنا أنا لاأعمم وانما أرصد ظاهرة إجتماعية. أولاً استعراض بعدد المدعوين الاحياء منهم والاموات, أستعراض كذلك بعدد  كبار المسؤولين  والوجهاء الذين حضروا, وربط نجاح الحفل متلازماً مع عددهم كذلك  كثرة التصوير والحرص عليه أكثر من مصافحة  المعرس نفسه, فخامة القاعة  فوق قدرة الكثير وتكلفة إعدادها , ويبدو الناس هنا وكأنهم جاؤوا لتسجيل الحضور  لا لصدق مشاعر المشاركة ذاتها , ويبدو المعرس " الانسان" آخر من يلتفت إليه أو يفكر فيه حتى لوجدته في اليوم التالي قد لاتتعرف عليه .

ثانياً : لنرى ماذا يحدث في العزاء وكيف يُغيب الانسان ؟ في هذه المناسبة الانسانية  الوجدانية التي تتطلب مشاركة وجدانية صادقة.

وكيف يستغل  لاعادة تشكيل  شبكة العلاقات في المجتمع, التدافع للسلام على كبار الوجهاء   قبل أهل المتوفى , من حضر؟ من وصل   , كم جلس ؟ ثم التهافت على تسجيل لسته  من سيقوم بتقديم  وجبات الغداء والعشاء مدة أيام العزاء  بمرأى من أعين اهل الفقيد الثكالى واحياً يحدث شجاراً عنيفاً حول ذلك وشهدت بنفسى ذلك عدة مرات" أين الانسان" إبن الفقيد او والد الفقيد أو... بون شاع بين العزاء وبين  أهل الفقيد الواجب تعزيتهم., لم يكن مثل هذا موجوداً على أيامنا كان حفلاً للأقارب بالدرجة الاولى ثم أهل الحي , كانت " ليلة عمر" لكل أهل الفريج والاقارب. أخشى أن نصل الى مرحلة مكننة العلاقات والمشاعر ونتحول الى مجرد روبوتات . نحن بحاجة الى برامج لإعادة هيكلة هذه المناسبات والعودة الى الإنساني فيها والتخلص من طقوس التزلف الاجتماعي الذي نمارسه , نحن بحاجة هنا الى قدوة من الوزن الثقيل  حتى يطمئن المجتمع  بإن  المشاعر الانسانية ليست فقط حكراً  لرأس المال ولا حكراً لمنصب عال , فالناس فيها سواء  من نزل قصراً أم من سكن كوخاً فالجميع نحو مصير واحد  ومشروعاً لكدر الدنيا ومصائبها.

الاثنين، 24 نوفمبر 2025

" الرجولة" كيف يجب أن نفهها اليوم؟

  مفهوم الرجولة في اللاشعور أقرب الى  مفهوم" نيتشه"   الرجل السوبرمان  ,   قوة,  قسوة , لا للضعف لا  للبكاء ,  لا , للإعتذار , كبت المشاعر  بل الدوس عليها أحياناً  إفتخار واعتزاز,, العنف في العلاقات الاسرية مظهر رجولي أو ذكوري بالاحرى   كلفت الرجولة بهذا المعنى المجتمع ثمناً غالياً , كان ينَظر الى الرجولة  كحيازة وسيطرة  وليس ك "موقف" كثير من الرجال بتلك الصفات لاموقف لديهم , وكثيراً من النساء  كن أصحاب مواقف رجولية  لم يحققها  رجال الجسد والشارب , فالرجولة وليس الرجل موقف قد يتخذه رجل وقد تتخذه أمرأة والتاريخ سطر صفحات  كثيرة حول رجولة   المرأة  كموقف وحول  وضاعة الرجل كموقف كذلك., فمهوم الرجولة القديم كان نابعاً من الخوف لا من الثقة في النفس , خوف من العاطفة, خوف من ضعف الذات , خوف من المرأة, حيث التطرف يفيد عكسه الخوف من نظرة المجتمع. 

الرجولة كمفهوم جديد كما أرى هي, مسؤولية  أخلاقية بالدرجة الاولى لاسلطة,  إلتزاماً قبل أن تكون  إمتيازاً شراكة مع المرأة لا وصاية  أو موضوعاً للعنف او تملكاً أو شكاً مرضياً ,الرجولة هدوء داخلي وسكينه وادارة  غضب , رجولة  شجاعة الاعتذار عند الخطأ واعادة النظر , , الرجولة في الصدق والنزاهة,الرجولة ليست ضد العاطفة الانسانية فالرجل يبكي حين يكون الموقف  يستحق البكاء , فاحياناً  البكاء شجاعة واظهار الضعف قد يكون صدقاً , الرجولة معرفة بالنفس أولاً, الرجولة الجديدة   كفاءة في الإنسانية  الناضجة , الرجولة الجديدة  إنسان يبحث عن إنسانيته أولاً وقبل كل شيء  , عن معنى  لرجولته  اأن يترك الشكل ويركز على الجوهر , ان يتحمل  وجوده في العالم  من دون أن يحاول أن يثبت لأحد أنه رجل., هناك رجولة مرفوضة تقمع المشاعر وتزيف الوجود الحقيقي للإنسان, فيصبح الانسان يحاكي المجتمع على حساب قناعاته  وما يؤمن به ,  التناقض الذي يعيشه الانسان العربي  هو أنه لايشعر بفردانيته بل قد يُحاسب عليها مالم يتبع مفاهيم القطيع  السائدة في عصر الغزو  والنهب

الأحد، 23 نوفمبر 2025

فلسفة المكان

 علاقتنا بالمكان ليست علاقة جغرافيا  أو مجرد حدث تاريخي بل علاقة وجودية تجعل منه كائناً آخر أو ذاكرة أخرى تحمل في طياتها تاريخنا الشخصي والجمعي, يرى هايدغر أن المكان هو أفق كيوننتنا , نحن " نُلقى  في العالم وهذا الإلقاء  يتم في مكان محدد يسبق وعينا به, فحين نغادره لانتركه بنياناً  و جدراناً بل نترك جزءاً من ذواتنا متجذراً فيه, تجد كثيراً من كبار السن يرفضون ترك بيوتهم القديمه حيث نشئوا أو عاشوا طفولتهم أو شبابهم فيها, لأنها أصبحت جزءاً من كيانهم الشخصي فالمكان يحفظ الاحلام  اكثر من حفظه للأشياء, فالفلسطيني الذي يحمل مفتاح بيته المهدوم   او المشرد من وطنه الذي يحمل   اسماء  الاماكن  التي طمست بفعل الاحتلال  أو السكان الاصليين في الشرق والغرب الذين  يحفظوا اسماء قراهم  التي  مسحها السكان الجدد  ليس هذا سوى اسلوب مقاومة للمحتل الجديد عبر  الذاكرة المكانية فالذاكرة والمكان ليسا فقط  نشاط عقلي  ولاجغرافيا على خريطة وانما هم أسلوب مقاومة  فعال, نحن لانمتلك  اماكننا بل هي من يمتلكنا , المكان لايموت نحن من يموت, المكان  هو الغرف الي سكناها , والبيوت التي عشنا فيها, والشوارع  التي مشينا على ارصفتها,  والجدران التي كتبنا عليها خربشات حبنا  الاول  , هو مجموع ضحكاتنا في فضاء الفريج , هو شجر المنتزهات والحدائق الي  زرناها, المكان لايموت بل   هو من يحملنا  لندفن مثل نخلة  تحمل اسماء عشاقها الذين نقشوا على جذعها تواقيع مرورهم عليها قبل  أن يغادروها الى الابد. 

الجمعة، 21 نوفمبر 2025

مجتمع بين القدوة والنخبة

 في كل مجتمع هناك قدوة وهناك نخبة أو " صفوة" المجتمع الذي يخلو منهما أو من  أحدهما يعيش في فوضى وعدم توازن ,  ولكن ما لمقصود بالقدوة تقليديا  على سبيل المثال لا الحصر,الأب قدوة للعائلة والمعلم للتلاميذ  قدوة في مرحلة ما,  أما النخبة  فهي من يملك الاقتصاد والنفوذ  والمكانة الاجتماعية العليا  , مع اعترافي بهشاشة المفهومين , ستجد أباً غير قدوة لعائلته ومدرسا لايصلح ان يكون قدوة لطلابه ,  وصاحب نفوذ  ليس  جديراً بأن يكون من الصفوة أو من النخبة,  دعونا نوضخ   الفرق بين هذين المفهومين وأثرهما في المجتمع ؟ القدوة  يغير الناس من الداخل  بالالهام والوجدان , بينما الصفوة أو النخبة تغير المجتمع من الخارج بالسلطة والنفوذ, ستجد القدوة محبوباً وليس بالضرورة تجد النخبة محبوبة بل في اكثر الأحيان العكس صحيح, القدوة هو الانسان الذي  مثالاً يرى الناس فيه  أفضل نسخة ممكنه , وكثيراً مايكون ليس في اعلى المراتب من مراتب النفوذ,, القدوة لاتكون بقرار رسمي ولا تورث  بل تصنع بالإختيار  وبالمحبه  ودورها اخلاقي تربوي  فهي المناعة الذاتية للمجتمع أما النخبة فهي عقل المجتمع لانها تملك التأثير والنفوذ وهي ليست شراً بذاتها إلا إذا خلت من الشعور بالقدوة  والمسؤولية وهنا يبدو التلازم مثالياً  ونادراً  وحالة مثالية بل وأعظم  لحظات التاريخ  كما حصل في تاريخنا الاسلامي أن يصبح الخليفة سلطة وقدوة , وفي ماضينا القريب هناك كثير من القدوات في جميع مفاصل الحياة في المجتمع , في الاسرة وفي المدرسة, وفي العمل بل هناك الكثير ممن جمع القدوة والصفوة في المجتمع , لكن نحن في عصرنا هذا نعيش ازمة حقيقية بسبب سيطرة الاعلام التجاري والسطحي الذي أظهر نماذج من القدوة للشباب لاتساعد على علو المجتمع أخلاقياً قطفوا الشهرة قطفاً بلا عناء  أو أرضية تحمل المعنى, كذلك نعيش اشكالية مع النخبة التي انفصلت ولم تعد تشعر بنبض المجتمع., فالقدوة دون نخبة تصبح عاجزة كما أن النخبة دون قدوة تصبح جامحة , من الضرورة بمكان التوازن  بينهما وترك القدوة تنبت طبيعياً وتذكير النخبة أنها وليدة المجتمع ومسؤولة تمام المسؤولية عن رخاءه وإزدهاره.

الأحد، 16 نوفمبر 2025

الصورة, وإغتيال الحقيقة

 لم تعد الصورة تنقل الواقع بل اصبحت تصنعه , أصبحت نظام معرفي  يعيش الفرد داخله , أذكر أننا أول مانصل الدوحة نذهب الى شارع الكهرباء ومشيرب وشارع الشيخ عبدالله بن ثاني, حيث استديوهات التصوير , ونحرص حرصاً شديداً على التقاط صورة فوتوغرافيه  في احداها واذكر منها ستديو الجمهورية العربية المتحدة وستديو البديع  وغيرهما, لحظة  لاتنسى  الوقوف أمام الكاميرا  وكثيراً ما يطلب منا أن نلبس الجاكيت او " الكوت"  المعلق  وهناك ايضاً باروكة لمن ليس له شعر ويريد التصوير بدون الغترة والعقال , إستعداد كامل , ونقف وقفة الرجل القديم حيث الثبات  وعدم الحركة واحيانا يطلب منا الابتسامة  لشدة اللحظة التي نعيشها , ثم نظفر بهدية صورة مجاناً , تلك الصورة تعكس واقعاً ثابتاً  ومجتمعاً متماسكاً لو قارنتها اليوم بما يسمى " السلفي" ستجد فارقاً كبيراً في النظام المعرفي السائد في المرحلتين   إنسياب بعد وقوف , حركة بعد ثبات., لو تصورنا أن الصورة القديمة في الاستديو هل الأصل , فصورة " السلفي وغيرها من الصور  الثابته او المتحركة  كسناب شات  وغيره هي   مجرد نسخ عبر تراكمها الزمني الذي أخفى حقيقتها وحل مكانها  , أصبحنا نرى انفسنا من خلال الصور وليس من خلال الواقع , هناك من يقول ان الكاميرا ليست محايدة بل تخفي مع استخدامها ايديولوجية, فهي مع استخدامها المستمر تشوه الواقع ولاتعكس حقيقته, أنظر الى مشاهير الصورة في  ادوات الاتصال الاجتماعي  وكيف اكتسحوا  المجتمع والشهرة , لو وضعت صورة توفيق الحكيم او يوسف أدريس  أو المنفلوطي  وعبدالله الفضالة وغيرهم , ربما كثير من شباب وشابات الجيل الحالي لن يتعرف  عليهم بقدر ما يتعرفون على نجوم ومشاهير الصورة والتصوير, الصورة النصية التي كانت في المجلات والكتب إختفت أمام الصور الرقمية المتحركة اليوم ,  فالصورة  اليوم تؤجل الحقيقة باستمرار بدل أن تظهرها, فالصورة بعد التقاطها اليوم تسجنك في إطارها فترى نفسك من خلالها, أصبحت موضوعاً للإستهلاك من جانب الغير, افلتت من صاحبها  خاصة بعد استخدام ودخول عصر الذكاء الاجتماعي , يجري التلاعب بها  فقد تجاوزت الواقع الذي اصبح مجرد إحتمال, ودفنت الحقيقة تحت ركام  من التقدم التقني الزائف  وقريباً ستدفن الانسان ذاته  ويصبح العصر عصر الصورة بإمتياز  ونصبح نسخ قديمة  من التاريخ.

الخميس، 13 نوفمبر 2025

الوجاهة معنى أم مبنى؟

أخذنا ويأخذنا المبنى بعيداً عن المعنى يوماً بعد آخر , يسرق  حقيقة المعنى من دواخلنا  ليضع مكانه  زيف المبنى وفراغ المعنى,في عهد سابق كان المعنى في الانسان لا في المكان , كانت الوجاهة إنسانٌ يحمل معنى وليس بنيان يبحث عن وجود لصاحبه وثقةٌ كادت أن تُنسى.
اتذكر مجالس الفريج  البسيطة  والمفتوحة بلا زخرف ولا ألوان لكنها ممتلئة بالروح وبالانسان , أتذكر وجهاء الفرجان , ليس ثراءً ولكن قيمة واحترام وبيان, في كل فريج من فرجان وأحياء ومناطق  قطر رجال أعلام ووجهاء قوم لازالوايحتفظون بمجالسهم القديمة ايماناً وثقة بأن الوجاهة ليست صكاً يشترى ولا   درعاً يُهدى, ليس في التجديد حرج لكن ألاعتماد على البنبان  في غياب المعنى فقفز على كثير من معايير الوجاهة   كثيرون اولئك الذين أرادوا  ان يقفزوا الى الوجاهة قفزاً من خلال التعالي في البنيان الزائد  بينما رصيده   من الوجاهة , وجاهة المعنى لايملأ الفنجان, تعجب من كثرة المجالس في بقعة محدودة من الارض  ولاتجد  الا فراغاً يسكنه الصمت  وصرير النوافذ, الوجاهة لاتشترى هي تأتي هكذاً بركة من السماء وتضحية من الانسان  ومعان يحملها القلب ابعد من الشخصانية واقرب الإيثار,  في وقتنا الحالي أصاب مفهوم الوجاهة كثير من العوار والشطط, تملق , الحاح  , زيف مشاعر , نفاق, تصوير, حرص واصرار مستمر وتباهي لالزوم له   , لم يكن هذا شائعاً من قبل, ذهبت البساطة  التي كانت أرضية صالحة للوجاهة , نفد الصدق وحل محله النفاق , حتى مفهوم الكرم أصيب في مقتل , كانوا لايملكون شيئاً وينفقون, الكرم أن تنفق وانت محتاج , لاأن تذبح خروفاً  والناس يعانون من السكر والتشحم والدهون,  رحم وجهاء الامس وحفظ الله ماتبقى من وجهاء كانوا ولازالوا على سمتهم القديم لم تأخذهم الدنيا بزخرفها  خلقاً وصدقاً بلا تزلف أوإنتفاخ  أعيدوا للوجاهة المعنى  ولاتنظروا للمبنى مهما تطاول , دعوا الوجاهة تنبت تلقائياً  لاتضيفوا عليها ما يجعلها تغرد بعيداً عن أرضها  فيخسر المجتمع  بوصلة إتزانه  وقدرته على تجديد اصالته  

الاثنين، 10 نوفمبر 2025

في الفريج كانت الذات أولاً

 في ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات منه, كانت الفرجان في قطر مكاناً رائعاً لممارسة الهوية كسرد,أو رواية, في الريان حيث كنت اعيش  كانت جميع عوائل قطر وقبائلها تقريباً اجزاء منها تقطن هذه المنطقة التاريخية  من قطر , بمجرد أن تخرج من بيتك  أنت في علاقة أفقية مع الآخر المختلف عائلياً وقبلياً في جوف الفريج ننشىء علاقة مع الاخر الاجنبي , صاحب الدكان الايراني , وراعي القهوة الهندي  وصاحب الكراج الباكستاني ناهيك عن كثير من الاخوة العرب من مدرسين واطباء ومهندسين , اصغر أبناء الفريج يحكي قصة الفريج تماماً كما يحكيها الكبار , اتصال أفقي جميل ومريح ,كنا نتقهوى في مجلس أحد الشيبان ونتعشى على "دجة" آخر من عائلة أخرى هكذا بكل تلقائية وفي المجلس  المجتمع كله يلتقي  نظراً لهذا التنوع الموجود في الفريج, لانعرف القبلية , ناهيك عن الطائفية, العلاقة قائمة على الالتقاء  لاتكاد تحس بالعمق بقدر ما تستطيع أن تلمس وتحس باللقاء وحرارته, الذي جعل الفريج خالياً من الغموض الذي يُربي الخوف وينشأ الستار بين الافراد , هذا الاختلاف الجميل جعل من الحياة هوية  لم نكن في تشابه من حيث  الانتساب لقبيلة واحدة او لعائلة واحدة , لم نكن ننتسب الا الى قطر من حيث تاريخ التواجد فيها أولاً كان ذلك أو لاحقاً, لم نكن جميعاً على مستوى  واحد من حيث مستوى المعيشة أو ومسافة واحدة من السلطة , إلا اننا جميعاً لانحس بالفروقات  الدولة وحب الوطن والقيام بالواجب كان  مبثوثاً في كل مكان نلتقي بالمسؤولين  واعضاء العائلة الحاكمة الكريمة أو الوجهاء من أهل قطر ,الالتقاء شبه اليومي   والتشاور والتناصح  والتدوال المستمر لمشاكل الفريج  بين مكونات الفريج كان  ملموساً في جميع فرجان وأحياء قطر,هذا التمازج اوجد هوية سردية تعيش وجودها بقدر تواجد الاخر , هذا الاغتناء أوجد قطرياً يعي ذاته  بقدرالوعي  بوجود الاخر الغير قطري ,كنا  ذواتاً قبل أن نكون هوية.


الخميس، 6 نوفمبر 2025

كم عمرك؟

 أذكر أني منذ عقود مضت  سألت فتاة أنجليزية  قائلاً : كم عمرك؟ فإذا هي تفاجئني برد صاعق  قائلةً: أنت وقح . فإذا بصاحبي ينبهني قائلاً لا تسأل المرأة عن عمرها لأن في ذلك وقاحة من وجهة نظرهن. ومنذ ذلك الحين لم اكرر مثل هذه الغلطة, لكن مع مرور الوقت   وجدت ان الرجال كذلك  ليس فقط  لديهم حساسية من سؤال العمر بل أن علاقتك تتبدل وربما تنقطع لو تجرأت وسألت بعضهم عن عمره وفي أفضل الحالات يكرهك ويبدأ في  تجنب اللقاء بك.مالسبب الذي جعل من سؤال العمر إحراجاً؟ لماذا يخشى الرجل من ذكر عمره الحقيقيى ويتحاشى ذلك؟, كثيرون استبدلوا اعمارهم الحقيقية بتواريخ جديدة اصغر , هذا ليس فقط تزييف بل لعب في أوراق رسمية, ثمه فجوة بين الانسان وعمره  في الاذهان هل للمجتمع شأن فيها؟ هل يمارس المجتمع ضغطاً على الانسان لكي يخفي عمره؟  تعدى الثلاثين ولم يتزوج؟ بلغ الاربعين ولم ينجب؟ جاوز الخمسين ولم يترك له من يرثه؟,في الشباب نعيش وهم الزمن الانهائي, نهمل الصحة, نؤجل كثيراً من القرارات فيداهمنا العمر الحقيقي بعد ذلك ليقض مضاجعنا, لعل الانسان هو الكائن الوحيد الذي يدرك أنه سيموت, لذلك السؤال الملح دائماً ليس كم عشت ولكن كم بقي لي  من العمر , فوجودنا  هو وجوداً نحو الموت لذلك يبدو سؤال العمر سؤلاً مخيفاً  كذلك الخوف من الشيخوخة وفقدان  الصورة التي رسمناها  ايام  الشباب , افضل من تناول الخوف من العمر هم الرواقيون  حيث اعادوا تعريف النجاح ووضعوه  ليس بمجرد مرور السن وانما بالمعنى الذي نضيفه في حياتنا  كما أن  ممارسة الامتنان تذكرنا بما حققنا لا ما فاتنا  وكذلك التأمل  في الموت نفسه  لنجعل كل يوم هو اليوم الاخير في حياتنا  بمثل هذه الخطوات نتخلص من الخوف  من تقدم العمر   والانحدار نحو النهاية. من يخاف من ذكر عمره يفقد جزءاً هاماً من معنى حياته  ويخفي  حقيقة كانت نستلزم الامتنان لله عز وجل  وفقد الألفة مع تلك السنين او الاعوام التي عاشها والتي اسقطها خوفاً نظرة المجتمع  او خوفاً من قادم آت  لامفر منه

الاثنين، 3 نوفمبر 2025

الحرية " أفق" قبل الممارسة

 عندما  ذكرت في مقالات سابقة أن الحرية تأتي قبل الهوية . رفض  الكثير ذلك وقال بأن الهوية تأتي قبل الحرية وإنه من خلال هويتي أمارس حريتي , هنا يبدأ الخلط لديهم بين الحرية كأفق ,الحرية كممارسة, كنت أتحدث عن الحرية كأفق وليس كممارسة, فالحرية كأفق هي مايجعل الانسان مسؤولاً عن ذاته قبل أن يكون مسؤولاً عن الاخرين, بهذا المعنى الحرية لاتقاس  بمدى ماتفعله  بل بمدى  تنفتح عليه كإنسان  قادر على الاختيار والفهم والتجاوز, بمعنى ان الافق  يتيح الامكان بينما الممارسة  تُجسد الامكان  فالحرية هنا  مسألة وجود  قبل ان تكون حقاً بل شرط ان يكون الانسان "أنا" حقيقية فالمجتمعات التي لم تنتج ذاتها كأفق حر  تكون ممارسة الحرية فيها  مجرد تقليد  بدون روح حقيقية , كالديمقراطية في مجتمعاتنا العربية, فنحن نمارس شروط الديمقراطية بإفق غير حر   قادم من الهوية الدينية أو القبلية أو الطائفية, لكن أفق الحرية أن تجد نفسك  منفتحاً أمام  جميع الامكانات ثم تشرع في ممارسة حريتك  انطلاقاً من هذا الافق وما تختاره من إمكان وتعدم غيره من إمكانات,  لايمكن لمجتمع ان يمارس حريته  قبل ان يؤمن بها كأفق داخلي للذات , الحرية كأفق أن يحضر الوجود أمامك  قبل أي ممارسة ,  فالحرية إذأً هي أن نكف من أن نطلب الإذن في أن نكون  وهي بالتالي تحرير الذات من الوصاية بأي شكل من الأشكال , من هنا ندرك لماذا هي تأتي قبل الهوية  على الرغم من صعوبة تصور ذلك لدى الكثيرين   

السبت، 1 نوفمبر 2025

الغرب ومكر التاريخ

 قضيت  الثلاثة اشهر الماضية في المملكة المتحدة وبالتحديد في لندن وضواحيها , لاحظت كيف  يتغير العالم  مدفوعاً بحركة التاريخ , عمت أوروبا مظاهرات عارمة  في وقت واحد ضد الهجرة والمهاجرين من دول العالم الاخرى  بنفس متطرف ديني   وطائفي وعرقي," بريطانيا لم تعد مسيحية" لم نعد نجد اوظائف  لاولادنا " أطردوا المتوحشين قبل أن يقضوا عليكم" إطردوا المسلمين"هذه نماذج من شعاراتهم  ومايرددونه  من هتافات. بريطانيا العظمى خائفة  ترتعد , فرنسا الثقافة ترتجف , المانيا الصناعة ترتعد من الهجرة من دول الجنوب البائسة.

سؤال بسيط من وراء هذا البؤس الذي دفع بالملايين من دول اسيا وافريقيا والشرق الاوسط للهجرة الى اوروبا؟ اليس الغرب المستعمر؟ من أفقر هذه الدول اليس الاستعمار الذي هم يمثلونه؟ من سرق ثروات الجنوب  ودول الشرق الاوسط اليس الهيمنه البريطانية والفرنسية والايطالية ؟

من أرسى جذور الديكتاتورية  في هذه المناطق سواء حكومات الغرب؟ من ترك وراءه فكر التبعية مغروساً في الاذهان سوى سياساتهم البشعة فالغرب اليوم يعاني من مكر التاريخ الذي تحدث عنه هيغل حيث يرى ان التاريخ ليس فوضى بل مسار تتجلى فيه الروح وتتحقق فيه الحرية  تدريجياً

الاستعمار نشر الوعي دون ان يدري وايقظ الشعور بالوطنية  دون ان يعلم  وزرع روح التضحية في الشعوب التي استعمرها دون وعي منه , هذا هو مكر التاريخ, اليوم اوروبا تعاني  مما جنته اياديها طوال تلك السنين الطوال , حين انتهى تاريخها  تجلى تاريخ افعالها على شكل  روح   تشتعل  لدى تلك الشعوب المقهورة للانتقام ,ولا نستثني الاسلام لأنه في الحقيقة هو روح  اكثر منه اي شىء آخر , كان هيغل يزدري يالاسلام   ولكنه لم يدرك ان الروح المطلقه التي تحدث هنها  والباحثة عن الحرية اينما كانت  انما هي الاسلام  المطلق اذا ماجردناه من كثير من اخفاقات المسلمين , فهكذا حتى ما كان يعتقده " هيغل" مكر به التاريخ مرة اخرى

السبت، 5 يوليو 2025

مجتمعنا بين المثقف والاستبداد الثقافي

 لايوجد مثقف في مجتمعنا بالمعنى الذي سأذكره او بالاحرى الذي ذكرته في مقال سابق والذي يعني حركة مستمره في الواقع تبحث عن التجديد المستمر    في المقابل , يوجد الكثير من صور الاستبداد الثقافي في شتى صوره سواء الديني منها أو الايديولوجي تتكاثر يوما بعد آخر لأن إستراتيجية المستبد الثقافي المثلى هي الاسقاط لكل فكر مخالف وبالتالي هو مناقض تماما  لصورة المثقف التي أشرت إليها ,   من يحمل فكرا ثابتا جاهزا يعمل على اسقاطه دائما على واقع متحرك  بشكل يحفظ له وجودة واستمرار رقابته  لايقبل اي مرجعية منافسة, والاشكالية أنه يحتل الصورة النمطيه السائده  للمثقف في المجتمع  فيعتبر المجتمع أن المستبد ثقافياً هو المثقف  أو  الصورة الاعلى  للمثقف ومادونه  ليسوا سوى مجرد  صور مشوهه , فالفنان مثلا او النحات  او الرسام  اوغير ذلك من مثقفي المهنه التي تتطلب الابداع والخروج ربما  خارج نطاق المفكر فية  ليسوا سوى بدع  ومروق . يتعتمد اشكال الاستبداد الثقافي على النص بينما يعتمد المثقف حالة المجتمع الذي يعيش فيه مصدرا  لفكرة  ونطاق حيويته , لايعني أنه مضاد للدين او لاديني , لا لكنه لايسقط النص  وفهمة الثابت له على المجتمع  بشكل يعطل فيه قوى المجتمع العقليه  ولايمارس سلطة عليا عليه, بل يخلق شعورا من التفاعل  بين ثقافة المجتمع وظروفه تجعل من  التغيير  متقبلا  .الفقيه صورة متقدمه للمثقف الديني الذي آمن بثبات   النص    كتفسير ورؤية ثابته لاتحتمل معها تغير العصر وإنما يعيش العصر في داخلها   بينما المثقف الحر في مجتمعاتنا يفترض أنه

صورة متقدمه للمثقف  الذي يواكب العصر  تخلصاً من حالة الجمود والتكرار ومحاولة اجترار الماض وسحبه ليمثل الحاضر ويستولي على المستقبل كذلك وفتح المجال الى نظرة ارحب  لتغير العصر  والمشارب بشكل  يحقق للمجتمع  صوره اسمى من صور الانسانية.   , على كل حال,تعيش مجتمعاتنا اليوم صراعا يبدو انه  حتى اليوم محسوما لصالح المثقف المستبد  على حساب المثقف الحر, بل  أنه أصبح رجل السياسة وفارس الاقتصاد ورجل الاستثمار  ومغرد تويتر  ونجم سناب شات.  

الثلاثاء، 24 يونيو 2025

الهوية وإشكالاتها4\4

 

  إن مجتمعاتنا من فرضية ثبات الهوية ورسوخها وتكورها بشكل يجعلها تخترق الزمن دون الإحساس بدورها في التجدد والتطور .

هناك عدد من الملاحظات من بينها: إن الخوف على الهوية ينطلق أساساً من عجز الثقافة من تحويل النص إلى معنى، فاحتفظنا بالهوية كنص ثابت وليس إلى معنى شعوري يتحرك مع الزمن .

  لا يتقدم المجتمع إطلاقا ما لم تكن هويته أمامه وليست خلفه. ليست هناك هوية خلف المجتمع، هناك تاريخ له سمات وتراث له مميزات يبنى عليها ويراكم حولها من خلال المرور خلال الزمن. الهوية الإسلامية هي اختراق للزمن وليس ثباتاً بحكم صلاحيته لكل زمان ومكان .

  هناك ارتباط بين ثروة المجتمع ونظرته للهوية، نظرة المجتمع للهوية بأنها ماضٍ مكتمل يجب الحفاظ عليه، يصرف الثروة باتجاه الماضي الموروث سواء كان تاريخا أو بشرا. المجتمعات المتقدمة ثروتها جزء من هويتها المستقبلية، فهل هي بانتظار المستقبل .

  الهوية التوافقية هوية سياسية، وليست دينية، هي هوية مستقبلية تستمع للآخر دون فزع، وتحاور المختلف دون خوف، فلذلك تتطور ويتطور معها المجتمع. والدين ليس مجالاً للهوية إلا ببعده الإنساني لأنه جاء ليكسر الهويات المنغلقة من طائفة وقبيلة وعائلة، نحن مجتمعات تعاني من عدم إدراك لحركة الوعي عبر التاريخ، فالدولة مرحلة من مراحل تبلور الوعي التي وصلت إليها تلك المجتمعات، بينما ظهورها لدينا سابقًا على الوعي بها، فأصبحت شكلاً من أشكال سيطرة الماضي على الحاضر لا أكثر .

مجتمعات الهوية الجاهزة

  مجتمعات الهوية الجاهزة بأنها لا تتطور ولا تتقدم لأنها ليست مجتمعات حرية حين يعتقد الناس أنهم يمارسون حريتهم، وهم لا يمارسون سوى حرية التصرف وليست حرية الإرادة، فرق كبير بين الاثنين؟.

  أن حرية التصرف ضمن ما يسمى بالهوية حرية ناقصة، لأنها محكومة أصلاً داخل إطار الهوية المعطاة، الحرية تتطلب انفتاح أفق الهوية نحو المستقبل، تعني أن تختار هويتك أو أن تصنعها أنت، لا أن يحددها المجتمع مسبقاً اعتماداً على تصور ماضوي يجري تحديثه بإعادته وتلقينه من جيل إلى آخر .

  ما أود الإشارة إليه هو ألا تبقى الهوية ربوة عالية تقف عليها وتنظر إلى العالم منها، أن يختار الإنسان من يكون، هي هويته، الدولة لا دخل لها بالهوية، كما يصرخ البعض بين حين وآخر على الدولة أن تحافظ على هويتنا، هذه دعوة للشمولية وللعبودية وليس للحرية، الدولة شكل للحكم وبينما الحرية شكل من أشكال الإنسانية، الإشكالية الأكبر حين تتدخل الدولة في فرض هوية وشكل محدد لها لتكتب تاريخاً أو تعيد هندسة المجتمع اجتماعياً، هذا كله من مثالب الخلط بين الدولة والهوية سواء .

  نحن مجتمعات امتداد وليست مجتمعات إنجاز وهنا يكمن الإشكال الكبير والصراع على التاريخ كما كان لا كما يجب أن يكون، كذلك الدين ليس مجالاً للهوية إلا ببعده الإنساني لأنه جاء ليكسر الهويات المنغلقة من طائفة وقبيلة وعائلة، نحن مجتمعات تعاني من عدم إدراك لحركة الوعي عبر التاريخ، فالدولة مرحلة من مراحل تبلور الوعي التي وصلت إليها تلك المجتمعات، بينما ظهورها لدينا سابقًا على الوعي بها، فأصبحت شكلاً من أشكال سيطرة الماضي على الحاضر لا أكثر .

 

الأربعاء، 18 يونيو 2025

مالعمل؟

 نعيش أجواء حرب أسأل الله جلت قدرته أن يخرجنا منها سالمين وأن يحفظ خليجنا ووطننا العربي من كل مكروه, في الازمات  تصيب الفكر حالة من الشلل  ويصبح البحث عن الخلاص هو ما يسيطر على الانسان  بما يعني أنه يفكر بمجاسته الاولية للبقاء على الحياة, ولكن في أزمة خانقة تحيط بخليجنا ودولنا  ولانملك لها صداً ولا ورجعاً  علينا أن نسترجع ما يجب أن نتحاشاه  مستقبلاً  وما قد ارتكبنا من أخطاء سابقاً جعل منا غير ذي تأثير حتى في مصيرنا والى أين نتجه  لدي بعض الملاحظات أود لو أسردها  أسفاً على بعض الماض واستبشاراً بمستقبل يحمله لنا الله  نتمنى أن يكون مشرقاً

أولاً:هل  لا تزال فكرة"الخلاص الفردي " تعشش في رؤوسنا بعد كل الذي حصل والذي يحصل  من الامور التي جعلتنا كلنا في سلة واحدة أمام أعداءنا شرقاً وغرباً؟

ثانياً: هل لاتزل فكرة إقتسام الاوطان راسخة في مجتمعاتنا نخباً وطوائفاً بعد كل هذه النيران التي تحيط بنا من كل حدب وصوب؟

ثالثاً: هل هناك من لايزال يؤمن بعدم شرعية أنظمتنا   في دول خليجنا العربي حتى الآن رغم انهيار معظم الانظمة التي إدعت التقدمية والديمقراطية من حولنا؟

رابعاً: هل هناك من لايزال يزايد على دور الدولة  من مرجعيات صغرى كالقبيلة والطائفه ويضعها فوق مستوى الدولة واجهزتها والياتها ؟

خامساً هل هناك من لايزال يتعلق بالنقاء العرقي داخل منظومة الوطن الواحد والجسد الواحد الذي يواجه مصيراً  واحداً بكل مكوناته ؟

سادسا ً:هل  لاتزال فكرة الخليج الواحد أو أهمية الاتحاد الخليجي فكرة طوبائية  من نسج الخيال المطمئن بعد كل حالة اللاطمأنينة التي نعيشها  ونعايشها في ظل هذة الظروف ؟

سابعاً: هلا لايزال منحنى الانقسام الطائفي الديني او العرقي يتزايد  في اوطاننا  ونحن أمام العالم  مجرد عالم اسلامي متخلف   يضربون بعضنا ببعض ؟

ثامناً: هل لاتزال العروبة حكراً على عرق دون آخر والاسلام حكراً على طائفة دون غيرها , وتاريخنا  الذي نتغنى به ويعرفه العالم يشهد على أن الاسلام قام على العرب وعلى غيرهم والعروبة إحتضنت جميع الاديان والطوائف داخلها.

تاسعاً: هل هناك من لايزال أن المستقبل  له ودون غيره بعد كل هذا الزلزال المدمر منذ الربيع العربي حتى الآن؟

عاشراً: هل لازلنا نعتبر التنافس بيننا كدول خليجية له الاولوية على التكامل؟ الأمر الذي أضاع جهودنا وعطل تنميتنا الحقيقية.

أسئلة كثيرة لاتنتهي  تجعلنا نفكر اليوم مالعمل ؟غداً بعد انتهاء الغمة بإذن الله هل سنعود كما كنا  الامر الذي إستوجب كل هذه الاسئلة أم سنعتبر من النذر التي تلوح في الافق بأننا أما  قرارت جلل لابد من إتخاذها من أجل مستقبل اجيالنا الحالية والقادمةبإذن الله .

أن الله قد أعد هذه الامة لأمر لو فطنت له  لربأت بنفسها أن ترعى مع الهمل

الجمعة، 13 يونيو 2025

الارض العربية بلا مشروع

 الارض عربية والخصمان   ليسا  من العرب  ولاينتميان  الى أرض عربية , الحرب القائمة التي يعايشها المواطن العربي وتعيش أجواؤها الارض العربية بين مشروعين  أحدهما إيراني  والآخر إسرائيلي, مجال الحرب الصوتي  أرض عربية  بإمتياز , تجتاز الطائرات والصواريخ الاسرائيلية الاجواء والاراض العربية لتصل الى أهدافها  داخل العمق الايراني , كما تجتاز الصواريخ الايرانية الاجواء والاراض العربية لكي تصل الى إسرائيل. وجود عربي باهت وسط أجواء  تهدد  وجود العرب  واستقرارهم , أيران لديها مشروع وتسعى لتحقيقه بغض النظر عن  مصالح الاخرين , إسرائيل أيضا  لديها مشروع  تريد تنفيذه في المنطقة  لتمتلك الزعامة والريادة  ,كلا المشروعين المتحاربين  قائمين على حساب المشروع العربي الغائب او المغيب , حيث الارض التي   تستثمرها هذه الحرب,. غياب كامل  لأي مشروع عربي واضح لأمة تمتد من المحيط الى الخليج .نفتقد ثقافة المشروع كأمة , المشاريع  القُطرية ليست كافية  لتفعيل الدور العربي  اقليمياً وعالمياً, الصدمة من فشل المشاريع القومية العربية السابقة يجب أن لاتثنينا عن إعادة التفكير في بناء مشروع عربي  قائم على مستلزمات العصر الحالي وشروطة, تلك كانت محاولات فردية  سلبياتها اكثر من ايجابياتها لكن لايمنع من الاستفادة منها وتجاوزها , أمة بلامشروع تصبح موضوعاً للإستباحة , إذا كانت إيران مشروع قومي فإن اسرائيل مشروع غربي , الغد لايرحم من لايملك إرادته  وليس هناك إرادة فاعلة دون مشروع واضح وقابل للتنفيذ  من أجل الانسان , فأنقذوا الانسان العربي من الاستباحة

الخميس، 12 يونيو 2025

البنية الثقافية ودورها في التحول الديمقراطي

 


قوة الدولة تختلف من منطقة الى أخرى داخل عالمنا العربي الكبير وهذا الاختلاف له مدلولاته السياسية والاجتماعية وتأثيراته على تطور المجتمع وسهولة ولوجه الى المرحلة التحول الديمقراطي المنشود ففي البلدان التي لا تزال البنى الثقافية والاجتماعية فيها فاعله نرى دوراً للدولة يختلف عن تلك البلدان التي لم يعد يوجد فيها بنى تقليدية فاعله أو استطاعت الدولة أن تقضي عليها أو إذا افترضنا وجودها فأنها على الأغلب شكلية .
أستطيع أن أسوق أمثله لتوضيح ما أقصده فالمثال على وجود قوى أو بنى ثقافية فاعلية يمكن رؤيته في كل من لبنان حيث الطوائف أو اليمن حيث القبيله تلعب دوراً حاسماً في إدارة المجتمع وتحولاته في هذه البلدان نجد الدولة تتعامل بشكل سياسي يميل الى توزيع المقدرات بين هذه البنى أو القوى على نحو توافقي لتتمكن من السيطرة على زمام الأمور وهي هنا أقل بطشاً وعنفاً . في حين أن المثال على قيام الدولة بإزالة البنى الثقافية داخل المجتمع يتمثل في تونس أيام بن علي( راشد الغنوشي في إحدى حواراته ) والنتيجة لذلك امتلاك الدولة للمجتمع بشكل كلي وقضاءها على أي إمكانية للتطور في اتجاه المنحنى الديمقراطي الذى يفترض إيجاد بدائل لهذا البنى التقليدية بشكل تدريجي يمكن المجتمع من التقليل من سيطرة الدولة وبطشها .
أما المثال على شكلية هذه البنى التقليدية وعدم فاعليتها بشكل يجبر الدولة على توزيع الأنصبة فهي بلدان الخليج العربي فالقبيلة فيها رغم وجودها إلا أنه وجود شكلي لا يستطيع الوقوف أمام الدولة وجبروتها أو إجبارها على التعامل معها أو مع مؤسسات المجتمع الأخرى بشكل أكثر حيادية لأسباب كثيرة منها الندرة السكانية واعتماد الاقتصاد على الريع المستخرج بواسطة فعاليات أجنبية لا تشارك فيها القوى الوطنية إلا بالنذر اليسير والجميع يعلم لما لهذه البنى الثقافية والاجتماعية بجميع أشكالها ، القبلية والطائفية من دور كبير أثناء مرحلة مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني في جميع بقاع أمتنا العربية ، ولكن التحول السلبي حصل بعد الاستقلال حيث امتلكت الدولة سواءً كانت على شكل الحزب الواحد أو القبيلة أو الطائفة زمام الأمور وتنكرت لتلك القوى التقليدية وماضيها وتاريخها وعملت بالتالي على تهشيمها أو أزالتها أو إبقاءها كديكور لا أكثر ولا أقل فأصبح الأمر وكأننا في حاجة الى استقلال ثان ، ليس من المستعمر هذه المرة ولكنه من الدولة بشكلها الشمولي الذى يدوس على بنى المجتمع التي يمكن تطويرها بحيث تصبح نواه للتحول الديمقراطي المنشود . أن الديمقراطية في نهاية المطاف صيغه توافقية بين العديد من الأطراف ذات المصلحة المشتركة من هذا التعايش . لذلك يتطلب الأمر تحويل هذه البنى وتطويرها الى صيغ أكثر ملائمة للعصر . 

الحاجة الى " أنسنة" العلاقات

 التطورات السريعة التي تمر بها البلاد خاصة على الصعيد المادي ودخول المادة كعامل أساسي في رسم العلاقات وأهميتها تنقل هذا المجتمع الصغير من مرحلة نفسية متميزه كانت صفه من صفاته وعنواناً لتفرده وتميزه عن غيره من المجتمعات التي رسمت فيها المادة قيماً جديدة وبدلت الحال الى أحوال جديدة بحيث لم تعد مركزية العامل الإنساني هي المحرك للعلاقات وبالتالي شكت ولا تزال تشكو تلك المجتمعات من ذلك وتتحسر على ما مضى عندما كانت المادة تشكل هامشاً حياتياً فقط للإنسان ولم تنهش بعد من ذاته لتستقر بديلاً عنها . مجتمعنا الصغير يدخل الى مرحلة جديدة بؤرتها المادة ونقطة الامتصاص فيها المال فبالتالي يجب التنبه الى أن قوة مجتمعنا القطري هي في تلاحمه مع بعضه البعض بعيداً عن أي عوامل أخرى غير إنسانية . كانت ثمه مادة لدى الكثير في الماضي ولكنها لم تستقر لتشكل العلاقات والدرجات والتراتيب الاجتماعية لوعي أصحابها ( أي المادة ) في ذلك الوقت بأن البعد الإنساني هو الأغلى وهي ما يعول عليه ، لقد تنبه علماء مدرسة فرانكفورت النقدية لهذه المخاطر في مجتمعاتهم الأوروبية ودافعو كثيراً عن مركزية الإنسان في الكون بعيدا عن حمى الرأسماليـة الزاحفة وخشى " ماركوزه " من تحول الإنسان الى إنسان ذو بعد واحد تحركه المادة وينجذب إليها ، على كل حال لا يزال هناك كثير من الخير والأمل في مجتمعاتنا الخليجية ولا يزال هناك من يعىّ بأهمية الإنسان ومركزيته كإنسان بعيداً عن شوائب المادة ولكنه لا يجب إغفال حقيقة هامة وهي أننا ندخل عملية تطور سريعة لم يسبق أن خبرناها في سرعتها وفي حجمها ولابد أن تحدث تغيرات في شكل العلاقات وبناءها مما قد يكون له تداعيات سلبية على لحمة التكاتف والارتباط التي حرص المجتمع وحرصت القيادة على بقاءها ، نحن بحاجة الى التمسك بأنسنة العلاقات الاجتماعية ولا نجعل شيئاً آخر يطغي على هذه الأنسنه لتبقى قطر وهي في طريقها النهضوي ورغم اتجاهها السريع في طريق التحديث " قطر الرجال الأولين بحق " .

أذا كانت عملية " الانسنه " للعلاقات تتم في السابق بشكل عفوي فأنها اليوم على ما أعتقد في حاجه الى عملية استحضاردائم لكي لا تغشى غمامه المادة على إنسانية الروح ومحوريتهافى هذه الدنيا الذاهبه

المثقف بين الثبات والطمع والزئبقية

 من الصعب على العربى ان يثبت ان موقفه تجاه اى قضيه فى بلده موقف "مبدئى" اى يقوم على الايمان بالمبدأ وليس على اى شىء اخر, ومن السهل جدا ان يقال له انه لو اصاب شيئا من الغنيمه لتغير موقفه ولربما انقلب رأسا على عقب , وحده الموقف من العقيده لدى البعض وليس الكل يمكن ان يكون استثناء . تاريخنا العربى هو تاريخ" الغنيمه بأمتياز, وتاريخ الولاءات بدرجه مماثله. لذلك يضرب المثل بالمعارضه العربيه عندما يأتى الحديث عن الظرف والانتهازيه لا عن الاجنده والمبدأ. المولاه والمعارضه فى عالمنا العربى لعبة كراسى موسيقيه كل فقره تنتهى يتغير فيها الكرسى وصاحبه من موقع الى اخر. لذلك كثير مما يثار فى الصحف والمجلات وكثير مما يكتب لايخرج تقييمه عن ذلك , لو اصابه شى من الغنيمه لانتقل الى الضفه الاخرى لايستطيع حتى الصادق اثبات غير ذلك لانه لم يتعرض للاختبار بعد. قل لى كم وزير رفض الوزاره والمنصب رغم انتقاده للسياسات وتوجهها . الموقف المبدئى يحتاج الى بنيه تحتيه مختلفه تماما غير متوفره فى عالمنا العربى, ما يفعله العربى هو اداءه للدور لااكثر ومهما كانت درجة تقمصه لهذا الدور يظل الخروج منه سهلا وميسرا. العربى صاحب مبدأ من السلطه حتى تلوح له او تغريه الغنيمه التى يقوم عليها عقله السياسى كما ذكر الجابرى رحمه الله . المبدأ من السلطه ليس هو بالضروره المبدأ من الحياه. تاريخنا شاهد على اعتذاريات مثقفينا وتراجعهم وانخراطهم وعودتهم وتنكرهم لما قاموا به والعود احمد وحتى لولم يتغير السبب او يزول ولكن ظروفهم تغيرت اما سلبا واحيانا كثيرا ايجابا.

لذلك لاتعبأ العقليه العربيه وحتى ونحن فى عصر ثورة الاتصالات وسرعة وسائل النقل بما يكتب وتعبأ به الصحف والمنتديات , لانها تدرك حسب تجربتها الطويله التاريخيه التى عاشتها او قرأتها تاريخا ان القضيه قضيه نصيب من الغنيمه لم يتحصل بعد, ولا تكترث السلطه كذلك به لانها تملك الجزره وتستعملها حين ومتى تشاء . ربما هناك استثناءات عبر التاريخ بسيطه جدا لاتكاد تذكر فى ثنائيه الفرد والسلطه بالذات. لست ممن يؤمن بالحتميات ولكن الخروج منها يتطلب حفرا تاريخيا وخروجا عن المرجعيه التاريخيه التى تؤبدها. هل يعذر العربى عندما يكون موقفه زئبقى حسب ترائى الغنيمه له ؟ الم يكن متماشيا مع تاريخه الذى يقرأه ماضيا ويعيشه ويصنعه معهم حاضرا؟ وهل يلام من ينتقد مثقفى هذا العصر بأنهم وقتيون و حسب مصالحهم ؟ جميعنا ينتقد من اجل الصالح العام الكل يقول ذلك ولكن ماذا اذا انتفى تقابل الصالح العام مع الصالح الخاص, او ماذا لو ضحكت لك السلطه يوما هل تقوى على مقاومة اسنانها الذهبيه ام انك خارج التاريخ العربى هذا هو السؤال؟

الثلاثاء، 10 يونيو 2025

فكرة" المسلم الأعلى"

 عندما تشعر بأنك لست مسلما بالقدر الكافي، عندما تشعر دائما بذنب التقصير، عندما يحتويك الندم المستمر بأنك لايمكن أن تكون مثل أولئك الاوائل في الإسلام، وإن عليك دائما أن تكون أكثر إسلاما، صورة المسلم الأعلى من جانب العبادات فقط، وليس من جانب المعاملات الدنيوية، أو من منطلق البعد الإنساني الذي يأخذ بظروف الوقت ومتغيراته، هي حالة من الحزن الدائم الذي يرتبط لدى البعض ذهنيا بفكرة المسلم الأعلى،وهي لست صورة صحية للإسلام ولا للمسلمين، الإنسان كائن مادي، توحشك على ماديتك باستمرار لايحولك إلى كائن نوراني، يعيش المسلم اليوم ضمن نطاق دولة وسط إقليم عالمي، مالم ينتم إليه إنسانيا خاصة وأن الإسلام دين إنساني، لكن التركيز على فكرة المسلم الأعلى تضع النشء في حيرة من أمره ومن مستقبله، شهد التاريخ امبراطوريات عظيمة قامت على فكرة الإنسان الأعلى ولكنها إنتهت، لكن الاديان استمرت، المهم أن لاتنتج وحوشا جريا وراء فكرة الإنسان الأعلى هذه، المسلم المتواضع الذي يهدي البشرية إلى خير السبيل، الذي أوصل الإسلام إلى أرخبيل الفلبين وجزر اندونيسيا، هذا المسلم المتعامل مع ظروفه وبيئته بشيء من تواضع الإنسان وعظمة الإسلام، هو من أنتج اليوم توافقا بين الإسلام والعصر في تلك الدول كماليزيا واندونيسيا وغيرهما، المسلم ليس كائنا خارقا، حتى يعيش تبدل العصر دون أن يندمج فيه اندماجا ايجابيا، يجعل منه في حالة طلب مستمر لبناء ذات إسلامية إنسانية، تعلو بحقيقة الإسلام السرمدية وفي نفس الوقت تؤكد حقيقة الإنسان المرحلية ووظيفة المسلم في السعي وراء الكمال ليس انطلاقا من الحتمية الالهية ولكن انطلاقا من ثنائية الذنب والاستغفار البشرية

الجمعة، 6 يونيو 2025

دع الخلق للخالق

 تتردد هذة الجملة كثيراً  ونسمعها دائماً  في مواقف كثيرة, هل هي  مقولة سلبية  تنم  عن انانية    الأمر الذي يجعل  من نارها تحرق قدميك مستقبلاً  إذا وقفت منها موقفاً سلبياً أم  هي إيجابية  كما يقال لاتتدخل فيما لايعنيك, أو من تدخل فيما لا يعنيه لقي مالا يرضيه. هناك من يرى انها مقولة دينية مسيحية.لعل هذه العبارة تعبر عن نزعة صوفية  زهدية  اي ترك الانشغال بأحوال الناس  والاهتمام بأصلاح نفسك  ولقد وردت معان مشابهة لها  مثل  رحم الله 

 إمرأً  شغلته عيوبه عن عيوب الناس .  "ومن حسن اسلام المرء تركه مالايعنيه"  حديث  نبوي صحيح وقد شاعت هذه الجملة في الادب الشعبي والوعظي  هناك من ينظر أنها مقولة سلبية ضارة بالمجتمع المسلم  الذي فيه  تغيير المنكر واجب الجميع كل حسب إستطاعته ولايجب  ترك الامور   والانزواء بعيداً عن الشأن العام , لايصح ذلك لمسلم يدرك معنى الاسلام في حماية المجتمع المسلم,   الخطورة في "تثوير"  هذه الفكرة التي هدف الدين من خلالها التدرج في إزالة المنكر إن وجد , الى الدرجة التي تجعل من المقولة أو العبارة  إستفزازاً  للمسلم  وبالتالي يكون رد فعله مبالغ فيه, فهي  قد لاتعني بالضرورة شأن المجتمع وانما شأن الافراد  أو فرد, في تدبيره أو رؤيته للحياة  وللوجود عامة  دون المساس  بالآخرين أو  بحقوق المجتمع والافراد فيه , علينا ان لاننطلق من  ضيق المعنى بل من سعة العبارة , من سعة الامكان لا من حيز الضرورة الضيق ,   وفي تراثنا هناك الكثير من الكتب  تدعو الى ترك الناس وعدم الانشغال بأحوالهم  منها كتاب إحياء علوم الدين للغزالي, فمثل هذه الاقوال  لاتستجلب الوصاية  على الناس او المجتمع  أو هكذا يفترض  فالادب الشعبي عموماً مجال خصب لاقاويل الناس وخبراتهم في الحياة  ومجموع افكارهم واعتقاداتهم التي  هي  في المجموع إفرازاً لتجربة حياتيه معاشة 

المسافة الاجتماعية

 مجتمعنا يحتاج إلى إعادة الاعتبار لما يسمى بالمسافة الاجتماعية، وهي في أبسط تعريفاتها الحيز الخاص للإنسان الذي يتحرك فيه بما يحفظ له قيمته وكرامته ووضعه الاجتماعي، ما ألاحظه أن هناك التباسا كبيرا في فهم العلاقات وخلطا كبيرا بين مستوياتها نتيجة لعدم اعتبار هذه المسافة الاجتماعية وتقدير أهميتها، وهناك أسباب راجعة في ذلك للفرد وأسباب أخرى ترجع إلى المجتمع في ذلك. نوازع النفس البشرية تجعل منها أحيانا تلغي المسافات وتبرر الغايات، لكن المهم أن ينتبه المجتمع والسلطة إلى خطورة ذلك على الطمأنينة الاجتماعية التي تفترض وجودها مؤسسات المجتمع ومؤسسات الدولة بحيث تكون هناك منطقة وسطى من شبكة الخدمات التي تحافظ قدر الامكان على بقاء العلاقات أفقية بين أفراد المجتمع ولا تتحول إلى سباق إلى نسج العلاقة العمودية دائما وباستمرار مع السلطة على حساب المسافة المجتمع، وعلى السلطة كذلك أن لا تستغرق في الدخول في المجتمع بشكل يلغي العلاقة الافقية أو يجعلها غير ذات نفع بين أفراد المجتمع، لابد من إيجاد منطقة وسطى من شبكة الخدمات ذات الكفاءة مجتمعيا وحكوميا، بحيث يحافظ الفرد على مسافته الاجتماعية بشكل يحفظ كرامته وحقوقه. أرى أن مجتمعنا ينساق سريعا إلى عدم اعتبار المسافة الاجتماعية بهذا المفهوم والتي كانت واضحة ورصينة فيما مضى، أرى اليوم غيابا واضحا لها يؤثر على نمط العلاقات الصحية بين أفراد المجتمع، تدخل الدولة للحفاظ على هذه المسافة مهم جدا باعتماد المؤسسة لا الأفراد بحيث تكون المسافة الاجتماعية ترتبط بالمؤسسة دون الافراد وبالتالي بالثبات وليس التغير وبالطمأنينة ليس بالتهور، المجتمع بحاجة إلى من يطمئنه نتيجة التغيرات السريعة التي يمر بها وتأثير الريع الذي يحيل المعدم ثريا في يوم وليلة، أعيدوا الاعتبار للمسافة الاجتماعية والمجال الحيوي للأفراد الذي يحفظ قيمتهم ومكانتهم ويهدئ من روعهم لكي يطمئن المجتمع ولا يدخل في سباق مستمر مع ذاته دون منافس فيصبح الفوز فيه والهزيمة سيان.

الثلاثاء، 3 يونيو 2025

الى عرفات الله

 · حينما يقف  ضيوف الرحمن في عرفات يكونون قد اطمأنوا على أن حجهم قد وصل إلى مراحله الأخيرة، والاطمئنان هنا اطمئنان في الروح واطمئنان في النفس واطمئنان في الأبدان، وتلكم رغبات قلَّ أن تتوفر عند كثير من الأمم التي لاتدرك معنى التوحيد , أيام مباركة نعيشها اليوم , أحبة لنا  في اغلى بقاع الارض يلبون دعوة الله الى نبيه ابراهيم أن أذن في الناس للحج الى بيت الله في ارض  هي من اصعب بقاع الارض جغرافياً , لقد شرفني الله بأن قمت بهذه الفريضة العظيمة منذ خمسة عشر عاماً مضت إلا أنها لاتزال في سمعي تترد لحظاتها كل عام في مثل هذة الايام العظيمة, شعور روحاني لم أختبره من قبل ونحن نتجه  صباحاً الى عرفات في يوم الوقوف الاكبر , الناس من حولنا كأنهم جراد منتشر , تركوا الدنيا وراء ظهورهم , متجردين منها ألا من مخيط أبيض , حتى المغيب  , لايعود المسلم من الحج  كما كان قبله , كل من لايتغير لم يحج أو لم يتفاعل مع الحج كحركة تجدد الحياة   وتبدأ معها مشوراً جديداً , في هذة الرحلة الدينية يقترب الانسان من الله  لأنه يرى نموذجاً مصغراً ليوم الحشر الاكبر يوم يقوم الناس لرب العالمين  وأستجابة   لنداء عظيم  خرج الناس   لتلبيته من كل فج عميق , الوان من البشر , وجوه  يعلوها الامل , بكاء رجاءً للمغفرة والتوبة, دعوات تصعد الى عنان السماء  تهنز من هديرها الجبال , يوم عظيم , تتكلم الطبيعة فيه قبل الانسان شمسه مختلفة حين تشرق وحين تغرب  وكأنه اليوم الاول والاخير   في هذه الدنيا الفانية,  اللهم  بلغنا عرفة مرة أخرى, اللهم انصر أخواننا في غزةالباسلة, اللهم  آمنا في أوطاننا , اللهم أرحم تقصيرنا في حقك وفي حق أخوة لنا  يبادون ونحن  عاجزين كأفراد وشعوب عن نصرتهم.  اللهم ارحم ضعفنا وقلة حيلتنا, اللهم  عوداً أحمداً لكل حاج هذا العام وكل الاعوام اللاحقة ,  اللهم بلغنا عرفة والعيد ونحن بخير وعلى أمل بتلبية ندائك الخالد طالما كانت هناك انفاسُ تترد في اصدورنا

الى عرفات الله ياخير زائر

عليك سلام الله في عرفات

على كل افق بالحجاز ملائك 

تزف تحايا  الله والبركات  

 

 

ارى الناس اشتاتاً  ومن كل بقعة

اليك  انتهوا من غربة وشتات

تساوؤا فلا الانساب فيها تفاوت

لديك ولا الاقدار مختلفات

السبت، 31 مايو 2025

مجتمع الدهشة

 كون الدهشة فاعلة وايجابية حين يعقبها سؤال حيث انها في الأساس تمظهر لجهل وتعبير عن عدم معرفة، والتطور الانساني عموما جاء لازالة الدهشة عن حياة الانسان، الاديان ذاتها أزالت دهشة الانسان وكشفت له عن أجوبة لأسئلة الوجود. الدولة المدنية والتطور السياسي قلّص من أسئلة الدهشة عند الشعوب بتحويلها إلى أسئلة تجد لها اجابات عند مؤسساتها وأفرادها. عندما يشعر المجتمع بأن الدهشة سمة يومية فثمة خطأ في حياته وثمة توعك في مسيرته وخطاه.

البرلمانات وجدت للإجابة عن أسئلة الدهشة لدى المجتمعات، ووجدت لاظهار وابراز من يستطيع الاجابة عن أسئلة الدهشة المتكررة. المعضلة كما أراها ليست في الدهشة الايجابية ذاتها أي تلك القادرة على طرح الاسئلة للتخلص من دهشتها ذاتياً، المعضلة في الدهشة السلبية التي لا تقوى على طرح الأسئلة لسبب ما. عندما تعجز المجتمات عن معالجة دهشتها لا تتطور بل تتكور وتستلب.  مجتمعات الدهشة مجتمعات معوقة لاتستطيع فرض رؤيتها ولاتحقيق مطالبا، مجتمعات الدهشة  دائما تنام على شكل وتصبح على شكل آخر، مجتمعات الدهشة  تبصم حتى على شهادة وفاتها د  كحاطب ليل لايعرف مكانه وماذا يلامس أحطب كان أم أفاعٍ، امجتمعات الدهشة كمن يحمل داءه في ردائه،   مريضة نفسياً لأن عدوى الدهشة السلبية تجعلها تشك حتى في نفسها،   تقول نعم في النهار وتعقبها بلا خفيفة في الليل بين الجدران، أفرادها لا يمكن أن يتغلبوا على فرديتهم لصالح مجموعهم، نزواتهم أولوية وشعارهم الفردية، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. لا يعرف التاريخ شعباً كالشعب العربي عانى ولم يزل يعاني من الدهشة تمر العقود عقداً وراء آخر، ودهشتهم تزداد مع سرمدية القائد الملهم، وأيامهم تفنى مع الوعود البراقة بالديمقراطية والانتخابات النزيهة، أجيال ترحل على أمل لا يستطيع الأبناء تحقيقه فتصبح الدهشة مركبة لدى الأحفاد بعد ذلك. أين أسئلة الهزيمة؟ أين ملفات المسؤولية؟ ومن يتحملها؟ عجزت الشعوب عن طرح أسئلة الدهشة التي انتابتها، فاستمر الاندهاش واستمرأته الشعوب حتى صار ديدنها فاستحقت بحق شعار مجتمعات الدهشة بجدارة.  

مركزية القرآن ... كنص أم كواقع؟

 كيف  نفهم القرآن؟ هذا السؤال يراودني بإستمرار, هل نفهمه إنطلاقاً من النص  الثابت أم إنطلاقاً من الواقع المتغير؟  وهل يمكن فهمه  بتفكيك النص  الى أقصى إحتمالاته  ليتوافق مع الواقع لضبطه  في حياة متغيرة بإستمرار؟ وهل يمكن الاكتفاء بالنص كحروف وكلمات أم الحاجة الى فهم روح النص  هي مايمكن الركون اليه  ليتماشي مع المسلم في كل زمان ومكان ؟ هل يمكن القفز الى حدود ومرامي القرآن القصوى  مباشرة حيث أنه كتاب كثيف المعاني  وعميق المرام أم يمكن استشفاف ما يجعل منه  مشروع سلام لا موضوع صدام ؟كثيرة هي الاسئلة التي يعيشها المسلم  نظراً لعظمة كتابه الذي أنزل عليه عن طريق رسول الاسلام الكريم, هناك من المفسرين  ما يعتمد على اللغة في شرح القران وما يكتنفها من إعجاز وبلاغة. وهناك البعض الآخر من يأخذ بروح النص القراني  واخرين  يرون فيه كتاب إعجاز علمي  وهناك من يربط  الواقع به ربطاَ مباشراً, فالتغيير يبدأ   من  الواقع  مهما كانت تعقيداته الذي يجب أن يتغير ليتماشي مع  النص, وآخر ينطلق من الواقع لفهم النص  وتفكيك كثافته ليحصل منه على حلول  لهذا الواقع المتغير الذي يعيشه المسلمون اليوم, ما أود الاشارة اليه هو أنه رفقاً بشباب المسلمين , فهم يعيشون اليوم عصراً لايملكون من أدواته العلمية الا الشىء اليسير بل  ويعيشون إحباطاً  مركباً ليسوا في حاجة الى "تثوير" القرآن بقدر حاجتهم الى فهمه والتوافق مع  غاياته  وما يهدف اليه , جاء الدين لخدمة الانسان والبشرية جمعاء , واقعنا معقد الى درجة كبيرة , يعيش العرب والمسلمون على هامش الحضارة الانسانية اليوم انتاجاً  وعلماً, فلنأخذ من القران ما يساعدنا على النهوض  والوسطية  ولا نلج العالم  بسلاح أوحد وهو الدين  فقط , فعندما ساد "البيوريتان" المتطهرين اوروبا  وبفهمهم الحدي للعقيدة هرب أهلها الى العالم الجديد أمريكا وأقاموا  حضارة  تعايش لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل . فالذي يفصل بين الاستشهاد في سبيل الله  وإلقاء الانسان بنفسه الى التهلكة خيط رفيع لايرى بالعين المجردة, فلنحافظ على دولنا وقياداتنا  ما أمكن  ولنعمل على الاصلاح من الداخل  من خلال ثورة ادارية  وعلمية  ولننظر  الى  النيران  التي تلتهم العالم على حدودنا ونحن لانزال في مأمن منها بفضل الله أولاً ثم بفضل الخيرية التي تمثلها هذة المنطقة وأهلها .

الجمعة، 30 مايو 2025

المستقبل ... و الفكر أم الواقع؟

 في اعتقادي ان هناك لحظتين  تاريخيتين حاسمتين  كان لهما الاثر الفعلي قي تشكيل ذهنية المجتمع  وطريقة تفكيره , حيث قبلهما لم يكن مجتمعاً بقدر ما كان تجمعاً حيث المجتمع لابد وان يملك وعيه بذاته وارادته  ليصبح مجتمعاً بالمعنى المتعارف عليه  .

 اللحظة الاولى  هي اللحظة الاقتصادية  : تفجر النفط 

واللحظة الثانية : هي لحظة الاستقلال والشروع في بناء الدولة

كلا اللحظتان  لم  تكتملا بعد , وتعمل الدولة جاهدة لاستكمالهما ,  لحظة الانتقال من اقتصاد الريع الى الاقتصاد الانتاجي , ولحظة قيام الدولة الى استكمال مؤسساتها الدستورية.  هنا بالامكان ان أطرح سؤالاً  هنا وهو  من الذي يسبق الآخر  الواقع  أم الفكر هنا ؟ بالنسبة لتحقيق هذين الهدفيين الساميين , وهما الانتقال من الريع الى الانتاج , والاسراع في بناء دولة المؤسسات الدستورية بعد قيام الدولة بما يقارب الخمسة عقود.أستطيع ان أشير الى أن إقامة أو دعم جذور المجتمع المدني الموجودة  خطوة حاسمة وضرورية  لتحقيق  اهداف الخطوتين التي ذكرتهما آنفاً, تنفق الدولة إنفاقاً عظيماً على القطاع الصحي والقطاع التعليمي وجميع القطاعات الاجتماعية الاخرى  في المجتمع , كما يتطلب القطاع الخاص كذلك دعماً  لاتألوا الدولة جهداً في تحصيله   وتوافره , يبقى تفعيل  قوى المجتمع المدني من نواد ونقابات وجمعيات  لترفد الدولة والقطاع العام  بكوادر  شبابيه مؤهله  ذات تفكير خصب ومستقل , مكونات المجتمع المدني  رديف قوي للقطاع العام  ولايمكن لاي مجتمع  يطمح الى التقدم نوعاً وكيفاً  من عدم الاهتمام به بحيث يبدو مستقلاً ما أمكن  لتحقيق التكامل  وسد الفجوات داخل المجتمع وتأهيل كوادر ذات فكر  نوعي  وغير شمولي لتحقيق  النمو الكيفي , كلما كان هناك تعاون وتنسيق بين القطاع العام والقطاع الخاص المستقل  أمكن للواقع أن يتغير نحو آفاق جديدة و ,أمكن للفكر ان ينطلق نحو ابعاداً  مستقبلية.


الجمعة، 23 مايو 2025

عن مجتمعنا المطمئن

 كان ما يربطنا بالدوحة هو الذهاب إلى المدرسه صباحا أو الذهاب إلى مستشفى الرميلة عند الحاجة وأيام الأعياد حيث نستأجر تاكسيا وأذهب وبعض الإخوان إلى منطقة «البدع» حيث  بعض الاقارب، وكان البدع عبارة عن فريج ضيق الأزقة والممرات  ، وأذكر أننا كنا نمر على جميع البيوت ما أمكن للحصول على العيدية ولا نرجع إلى الريان إلا وقد كنا استنفدناها، حيث البحر قبل الكورنيش الحالي مجاور للبيوت وبعضنا يتعلم «الحداق» والبعض الآخر يقضي وقته على البحر أو أمام أحد االدكاكين في البدع مع الأصحاب والأهل أو الأقارب من الشبان في ذلك الوقت. في غير هذه المناسبات المحددة كنا محكومين بجغرافية الريان صيفا وشتاء ما عدا الخروج للبر أو للبحر. كان للريان طبيعة خاصة وهي على ما أعتقد التي أعطته هذا المسمى الجميل فهو محاط تقريبا بالمزارع وحتى كنا نستيقظ باكرا على أصوات ماكينات جلب المياه في هذه المزارع وبه العديد من برك السباحة ففي بعض المزارع هناك أكثر من بركة، نقضي أوقاتنا صيفا في السباحة فيها وفي صيد الطيور، وكنا نواجه ممانعة ورفضا أحيانا من المشتغلين فيها  و كان والدي يمتلك مزرعة في غرافة الريان داخل سور المدينة التعليمية حالياً بها بركتان للسباحة، في الليل ليس هناك سوى جلعة «قلعة» عبدالله بن جاسم التي سكنها حفيده الشيخ جاسم  بن علي بعد ذلك حيث يلتقي أهل الفريج جميعاً عصراً واحياناً ليلاً على العشاء  من الجانب الآخر فكان في بيتنا «دجة» أو دكة خارجية للجلوس عليها في الليل حيث الهدوء التام والسكون الجميل، ومعظم بيوت أهل قطر كانت تحتوي على «دكيك» حيث لم يكن الضيق معقولا والمساحات خالية والفضاء واسعا. بالإضافة إلى المجلس بالطبع، تليفزيون أرامكو أدخل وعيا جديدا، فلم يكن في المنطقة سوى تليفزيون الكويت وكان إرساله ضعيفا ونادرا ما يكون واضحا ومستمرا، حين كنا نتشوق لمسلسل «أبو جسوم» الشهير في تلك الأيام، أما تليفزيون أرامكو من الظهران فكان من الممكن مشاهدته بشكل شبه منتظم، وكان حقيقة على قدر من التخطيط الواعي لثقافة المنطقة كانت كانت جميع أفلامه مدبلجة تماما باللغة العربية، كما أنه ذو أجندة ثقافية فهناك برنامج ثقافية وتسلية كما أن  هناك أيضا المصارعة الحرة التي امتلكت قلوب الكبار «الشيبان» في ذلك الوقت وكأنهم ملوا من دعة الحياة وسكونها ويريدون استرجاع أيامهم الأولى في مصارعة البحر بحثا عن اللؤلؤ، من كثر ما كانوا حريصين على متابعتها بإنتظام،  وكان أحدنا يخبر الأخير إذا ما استعلم عن موعد لعرض فيلم لفريد شوقي، لما لأفلامه من شعبية نظراً لمشاهد المغامرات والعنف وانتصار الخير في النهاية  ليقوم بإصلاح الإريـال «الهوائي» وتوجيهه الوجه السليمة ليتمتع بمشاهدة مثيرة وممتعة تمتص انفعالاته الداخلية ليستلقي في فراشه ساكنا مستسلما للحظات من النوم الهانئ. كان مجتمعاً ينعم بالطمأنينة ولم يكن هناك مايعكر صفو يومه , كان فكره ملاصقاً  لواقعه, وهو ما يبعث عن السكينة والطمأنينة , التي عكر صفوها اليوم , دخول العالم الى وعي الانسان دون استئذان  فتجده يعيش  معاناة الواقع الافتراضي المفروض على وعيه تاركاً واقعه الملموس فريسةً  للهموم والتفكير  المفرط  الخارج عن ارادته  فيشقى بها فكره ويضيق بها عقله. يالهفاً أين غابت تلك الطمأنينة؟

الأحد، 18 مايو 2025

زلزال " المنصب"

 هناك من يقضي سنين في المنصب دون أن يصدق أنه يحتل هذا المنصب؟ هناك من يريد من يذكره دائما أنه لا يزال وزيرا أو مديرا؟ هناك من يقضي فترة المنصب كلها وهو غير مصدق أنه فعلا أصبح فيه، وبالتالي هناك من يخرج من المنصب وهو لا يزال يعتقد أنه لم يدخله بعد شوقا إليه، وأن المستقبل ليس الغد وانما هو أيام المنصب ولياليه الخالية، لاحظت عجبا وأنا أتأمل المناصب وروادها في بلادنا، شيء عجيب، هناك من يستقبل المنصب بشهقة لا يفيق منها حتى آخر أيامه على كرسي المنصب، ينسى من حوله سوى من عيَنهُ، لا يتذكر من المسؤوليات سوى قرار تعيينه.

إشكالية المنصب لاتزال قائمة رغم قيام الدولة مما يقارب نصف قرن الآن، قلة فقط من كانوا خارج الشهقة التي يحدثها "زلزال"   المنصب، هذه الظاهرة أفرزت ظاهرة ثانية جاءت بعدها وهي ظاهرة «يتامى» المنصب، بعد ذهاب المنصب كثير من اصحاب الشهقة أصبحوا يعانون اليتم، لأن تأثير «الشهقة» عند اختيارهم للمنصب أعمى اعينهم عن موضوعية المنصب ووقتيتهُ وربما أخلاقياتهُ.
توابع  زلزال المنصب النفسي  لها طابع اجتماعي بحت بعيدا عن المهنية المطلوبة، نشاهد صاحبها يقدم مصلحته على حساب ربما المواطنين ويعمل كذلك على تطويل أمد بقائه في المنصب، على حساب جودة أدائه وحيادتهُ أمام مسوولية الوظيفة.
لا أعتقد اننا سنتقدم إداريا طالما أن المنصب يُحدث «شهقة» في نفس من يتم اختيارهُ له لا يفيق منها إلى وقت طويل، لذلك تجد الفرحة بالمنصب كبيرة جدا والخروج منه حزن كبير وربما اختفاء وغياب وكأن من خرج من المنصب أساء للمجتمع ويخشى من تأنيب المجتمع له، في حين حينما تعين نُصبت له الخيام وتوافد له الحضور من المهنئين، أعتقد اننا في هذه المرحلة إداريا لا نزال بين «زلزال» المنصب و«يُتم» الخروج أو الإعفاء منه.

السبت، 17 مايو 2025

دخان

 تسكن منطقة دخان في أعماق ذاكرتي , منذ الطفولة والشباب الاول , لااعرف بحراً سوى بحرها ولا جواً سوى جوها , الساحل الغربي قريب منا أهل الريان   والمنطقة الوسطى امتداداً من الوجبة الى الرفاع الى رياض الطمآن مروراً  بالبصيَر والعقوريات وروضة الفرس والنصرانية    وصولاً الى  العوينة ومن ثم زكريت , مناطق ورياض  تسكن القلب والمشاعر عاش في أحضانها أبائنا  ونزلناها  شتاءً , وفي الصيف بحر دخان وزكريت  وصولاً الى الهملة  كان مجالاً لرحلاتنا   حيث لم يكن السفر متاحاً كما هو الآن.  عرفت كثيراً من الاخوة الاعزاء  من أهل دخان ومن العاملين في حقول النفط وفصل الغاز في دخان وما جاورها  , كنا نتردد  كثيراً  في العطل الاسبوعية وغيرها  في زيارات  وفي رحلات و"كشتات" في غارية دخان و شاطىء "إدعسه" واحياناً زكريت , لازلت أحمل حنيناً رغم تغير الحال بها وقد أصبحت مدينة  وبها  محلات تجارية وأسواق , كنا نعجب بالنظام داخل "كمب" الشركة , حيث الشوارع على صغرها مرقمة  والبيوت الخشبية  منتظمة   والكانتين  وهو يشبه المول الصغير , و"ميز" الأكل لعمال الشركة  حيث كنا ننتظم للحصول على وجبة الغداء بسعر زهيد , وسينما دخان الشهيرة الغير مسقوفه في ليال الصيف ونجوم الليل فوقنا في السماء  , ونادي الشركة ,  وملعب الغولف الطبيعي  ,كم كانت جميلة دخان بتضاريسها وبنظامها وبسكونها  وبساكنيها, كانت المسافة من الريان الى دخان طويله لعدم وجود  مرافق على الطريق  اللذي كان  سكة واحدة   للقادم والذاهب , وضياء  نيران  حرق الغاز  قبل  الاستفادة منه كنا نلحظها من بُعد ونحن على الطريق وحتى  في الطائرة قدوماً الى الدوحة, كانت دخان ولاتزال مصدر الخير لقطر  وتضاريسها الجميلة بما حولها من منطقة "بروق" وزكريت  من أجمل معالم قطر الطبيعية , كنت ادعو بالاهتمام بها حينما كانت قرية صغيرة واليوم نالها كثيراً من الاهتمام من قبل المسؤولين الى درجة  غابت معها بساطة المكان  وأختفى معها هدوء  الزمان  المنسدل على شواطئها,  لكنها سنة الحياة في التبدل والتطور , سيبقى الساحل الغربي دستورأً لجيلنا  وشاهداً على بساطة وقت  مضى  لايعوضه كل تقدم مادي اتت به الحياة الحديثة.

الجمعة، 16 مايو 2025

الماضي" المقدس" والحاضر" المُدنس"

  السقف المرتفع جدا من النظر إلى الماضي الذي يردده كثير  من الأئمة والوعاظ وغير ذلك كثير جدا من القصص والامثلة ذات السقف المرتفع التي تجعل من الحاضر  لا يرتقى ولا يستحق أن يعاش، له دور سلبي كبير على عقول النشء الحاضر بحيث يصبح طوبائيا  فوق جميع الظروف  وإمكانيات العيش، التجربة الإنسانية تقول لا يوجد مجتمع إنساني مثالي. مفهوم الرشد المستمد من فترة الإسلام الأولى أصبح مرادفا لمفهوم المثالية القصوى  وأصبح بالتالي ملاصقا  لكل من عاش في الاربعين سنة الأولى من الدعوة، مع أنه كان هناك كثير من السلبيات حتى أن الخليفة الثاني  عمر بن الخطاب استصدر عقوبات جديدة لمواجهة  مشاكل مجتمع البشر   كاستحداث السجون. مقاربة النشء بهذا السقف العالي جدا، يضعهم في حيرة مع حاضرهم  بل مع حياتهم ويسهل  استجذابهم لأجندات  طوبائية  توافقا مع ما يسمعونه ويتكرر على آذانهم ومسامعهم، التطرف هو الفجوة بين سقف من التوقعات  بين ما يُسمع   وما يُعاش واقعيا.

أتمنى على أصحاب الشأن أن  لا يرفعوا سقف التوقعات من الماضي بقدر ما يلامسون  مصاعب الحاضر، أتمنى منهم أن لا يلقوا بالأمثلة على عواهنها  حتى اصبح النشء يحفظ من الصور المتخيلة أكثر مما يحفظه من كتاب الله، أتمنى منهم أن يراعوا الحاضر، ويجعلوا فهم الماضي انطلاقا من هذا الحاضر وليس العكس، هذا النزف الشبابي الذي نلاحظه  سببه  سقف الماضي المرتفع  أمام حاضر بائس، هذا النزف الذي نعاني منه  سببه تجريد الحاضر من القيمة والحياة من الاستحقاق، هذا النزف الذي نعاني منه سببه  صور ذهنية  أكثر منها واقع متحقق في الزمان. لا يمكن  أن نعيش حاضرنا قياسا على ماضينا  لا يمكن لأمة أن تستمر بمثل هذه العقلية  ستفنى في ماضيها  وهي على قيد الحاضر، وهذا ما نفعله بأنفسنا، ابتعدوا عن   الاستغراق في الماضي  وعيشوا  الحاضر بإرادته وفي سياقه وما تمليه شروطه كمسلمين أبناء لهذا الحاضر المتطور، ولا تخافوا  فالنص الإلهي مورد لا ينضب وإن  قل الوراد،  ومن يستسقي فالزمن يحمل في طياته  سرمدية الإله وسرمدية دينه.

الأربعاء، 14 مايو 2025

" إستاد الدوحة" قديمك نديمك

 خطت الدولة خطوات جبارة في تطوير الرياضة وفي إبداع الإنشاءت الرياضية من ملاعب وصالات وخلافه، نرى مشاريع عملاقة ودوريا حامي الوطيس واسماء عالمية، لكن روح استاد الدوحة لا تزال تشتعل في ذاكرة الجيل السابق، ولاتزال تحدث دويا لمن يقرأ تاريخ الرياضة في قطر من الاجيال التالية.

لحظة دخول الشيخ جاسم رحمة الله في تمام الرابعة عصرا يترقبه الجمهور في مدرجات استاد الدوحة بفارغ الصبر ليعيش لحظات حاسمة من الصراع الكروي الجميل بين أندية قطر، لاتزال صورة أبوجبرة وهو مستلقي بكامرته خلف المرمى ليقتنص فرصة تسجيل هدف لتنشر في اليوم التالي في مجلة العروبة في الأذهان، لايزال أبو أسعد بشنطته الطبية واقفا على أتم استعداد للتدخل واسعاف اللاعب المصاب، عاهد الشنطي حكمنا الدولي وأول من اعطى «بيليه» إنذارا.
لحظة مشهودة من تاريخ استاد الدوحة،   كان التدافع مشهودا في لقاءات الاندية الاكثر شهرة كالعروبة وقطر والريان والوحدة والنجاح والتحرير، ولاحقا السد.
كان استاد الدوحة ليس ملعبا لكرة القدم فقط كان يمثل ترجمة حقيقية لنشاط المجتمع الشبابي القطري واهتماماتة في ذلك الحين. كان عاكسا للروح القائمة بين ابناء الفريج الواحد سواء في الدوحة أو في منطقة شرق أو في الريان أو الوكرة أو الخور، كان يمثل قمة الارتباط الاجتماعي بين هذه المناطق على شكل لقاءات كروية ممتعة يلتقي ليس فقط الكبار وانما الاشبال كذلك في الساعة الثانية ظهرا ومع ذلك تجد المدرجات ممتلئة بالحضور، استطاع استاد الدوحة أن يشد حتى كبار السن وليس الشباب في ذلك الوقت، كنا نرى عددا كبيرا منهم حريصا على حضور المباريات تجد عوائل أهل قطر ممثلة كذلك في الاندية حيث تواجدهم سواء كلاعبين أو إداريين، البعد الاجتماعي لاستاد الدوحة كان كبيرا ويعادل البعد الرياضي الذي أنشئ من أجلة، دليلا على أن كرة القدم أو الرياضة بصفة عامة لاحم اجتماعي هام عندما تكون بعيدة عن عامل الربح والخسارة المادي، أوقل قبل أن تترسمل. كان ظهور الاندية في قطر بين رغبة الشباب في حينه وامتناع المجتمع ممثلا في الاجيال السابقة مثار تحدي كبير وتضحية، لذلك كان وجودةا قضية وليس ترفا، لذلك كان اللاعب القطري الجيد، فرصة لا تعوض، لذلك كان استاد الدوحة مسرحا للتألق، لذلك كان اهتمام المسؤولين في محله، اليوم نشكو اليوم من قلة حضور الجمهور رغم الملاعب الفاخرة والاستعدادات الضخمة، ونستعيض عنةم بقوالب جاهزة من هنا أو هناك، هذا شيء طبيعي بعد اختلاف المعادلة بين المجتمع والرياضة أو كرة القدم بشكل خاص،  أصبحت . الرياضة في العالم أجمع  سوبر ماركت تعرض فيه كل المنتجات وهناك بائع ومشتر، لكن يبقى استاد الدوحة بطقوسه المتعارف عليها،   حاضراً في اعماق ذلك الجيل  والاجمل أن استاد الدوحة لا يزال كمعلماً قائماً، رغم غياب الطقوس واصحابها في مفارقة تاريخية، حيث درجنا على تغيير الرسم وبقاء الاسم.
لايزال صدى صفارة عاهد الشنطي يرن في اذني وفلاش أبو جبرا في ذاكرتي وشنطة أبو اسعد  المسعف الطبي  تلوح أمامي  «قديمك نديمك لو الجديد أغناك».

الاثنين، 12 مايو 2025

الثقافة سؤال بلا جواب

 لابد لكي يصبح المجتمع مجالاً للتداول الثقافي المستمر أن تكون هناك أسئلة  بلا أجوبه في وعيه  بإستمرار, الأجوبة تقتل الثقافة وتسطحها وتقفل الابواب في وجه الفكر أن يتفتح ., ما قتل الثقافة في مجتمعاتنا العربية أنها ثقافة أجوبة بإستمرار, تكره السؤال ولا تطيقه لذلك أحكمت  عليه بثنائية قاتلة  ظلت مجتمعاتنا  تتناقلها  سنوات طويلة وهي ثنائية "لكل سؤال جواب" لاتترك هذه الثقافة أسئلة بلا أجوبة فإن لم تجد  إصطنعت أو إخترعت ,  أو تخيلت. السؤال يفتح الباب بينما الجواب  يحكم إغلاقه  فينقطع حبل التفكير , ثم يأتي السؤال: لماذا  تموت الثقافة والحراك الثقافي مجتمعاتنا؟ والجواب بسيط وواضح  وهو أنها مجتمعات تقتل السؤال أو تحرمه   أو تتهم صاحبه بالمروق من الثقافة والتراث. إذا اصبحت اجوبة المجتمع أكثر من اسئلته أصابه الخمول والكسل  والاعتياد وفقد طاقة الاحتمال المستمر لتكرار الايام  واستجداد الامور.  والاغرب  ان معظم الاجوبة ليست  وليدة الحاضر لأسئلة حاضرة  أو لتوها  مستجدة,  كل ما يتعلق بالثقافة مرتبط بالسؤال وليس بالجواب , الثقافة الحقيقية لاتجيب وانما تفتح المجال للأجوبة , ولاتغلق المجال في وجه السؤال التي يستجد باستمرار مع تعدد الاجوبة.مع السؤال  تزدهر الثقافة , ليس بالضرورة أين يكون هناك جواب  قد يأتي المستقبل بالجواب, وقد لايأتي به  , المهم ان يبقى السؤال هو الملح  والحافز لتطوير الثقافة  في المجتمع.

الأحد، 11 مايو 2025

مجتمع على مفترق طرق

 أذكر عندما انتقلنا للدراسة إلى الدوحة في المرحلة الاعدادية في أواخر الستينيات، حيث كانت ضواحي الدوحة تمثل ريفا بالنسبة للمدينة التي هي الدوحة، أذكر أنني فوجئت ببعض مظاهر الفردانية التي لم تكن واضحة لنا قبل الانتقال إلى الدوحة كطلاب، منها على سبيل المثال لا الحصر، خروج الطلبة أثناء اليوم الدراسي وخروجهم خارج أسوار المدرسة وكذلك غياب قوة الضبط الاجتماعي الذي كانت تمارسه الأسرة على أبنائها مقارنة بالوضع ونحن في الضواحي، كذلك الشللية السلبية نتيجة عدم التشابه، مقارنة بالشللية الايجابية المتشابهة إلى حد كبير «عيال فريج واحد» أيضا لاحظت قدرة الطالب على اتخاذ القرار بمفرده دون الرجوع إلى العائلة نظرا إلى البعد عنها والسكن في القسم الداخلي مع الطلبة الآخرين والعودة للعائلة كل نهاية أسبوع، لا أنسى البعد العربي وتأثيره كذلك على نمط تفكير ذلك الجيل فكانت أمانيهم مرتبطة بسقف أعلى يصل إلى حدود الوطن العربي الكبير.كنا نتسابق لشراء مجلة العروبة ومن بعدها جريدة العرب حيث لم تكن هناك مكتبات خارج نطاق الدوحة. يمكن القول إن القبيلة اختفت شيئا ما وراء المدينة وبعد ذلك في المرحلة الثانوية وظهور الأندية الثقافية في الدوحة وإصدار مجلة الدوحة الثقافية، فتمدن الريف وتخرج من بين ابنائه المهندسون والأطباء والباحثون، كل ذلك تأثير «مديني». ما ألحظه منذ فترة أن اختفاء دور المدينة والثقافة المدينية آخذ في التلاشي شيئا فشيئا في حين تعاظم دور قيم المرجعيات الأولى التي تمثل تجذرا واضحا في الثقافة الريفية، ومع تزايد عدد سكان المناطق المحيطة بالدوحة من جميع الجنسيات، أصبح هناك نوع من التكور والتشرنق حول الذات أثر سلبيا على الحياة في المدينة وبدأ يصدر ميكانزمات هذا التشرنق حول الذات على شكل دعاوي الحفاظ على الهوية وعلى اللهجة الاصلية وما إلى ذلك ووصل حتى للاعلام. بل ربما هناك محاولات لاجتثاث صور التنوع أمام الحشد للشمولية والنمطية  , اختفى دور المدينة أو تلاشى بعد اختفاء أهم أحيائها الحضرية، أين دور نادي الجسرة الثقافي الذي كان رائدا على مستوى العالم العربي في الثمانينيات مثلا، ؟   فمراكز تحضر مهما كان نوعها , نواد , هيئات , نقابات... تحمل قيم المدينة بتنوع سكانها من جميع  الفصائل   بدوا كانوا أم من الحضر،  مع تزايد عدد سكان هذه المناطق على حساب المدينة، بالاضافة أننا ربما نمارس جمع الاضداد دونما قدرة على الخروج من ذلك بمركب ثالث يدفع إلى التطور، فنضع قيم القبيلة إلى جانب الجامعة الغربية الحديثة والفكر السلفي إلى جانب قيم الفندقة الحديثة الاستهلاكية. مجتمع صغير متجانس  يحتاج وقت  لينتقل الى ثقافة الاندماج الشمولية , فلانستعجل. 

السبت، 10 مايو 2025

إسلام السوق

 "إسلام السوق" كتاب للمفكر الفرنسي باتريك هايني ويعكس تحولات التدين الاسلامي المعاصر خصوصاً في سياق هيمنة ثقافة السوق وصعوده كمنظومة "قيم" في سياق السياسات  النيوبراليه  في  عالمنا المعاصر., هو هنا لايتحدث عن الدين الاسلامي كعقيدة وانما عن أنماط التدين  الجديدة في ظل كل هذه التحولات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية التي تعصف  بالعالم اليوم وتنعكس اثارها على جميع اوجه الحياة ..

"إسلام السوق"  هو نمط في اعتقاده  نمط من التدين  يتكيف مع آليات السوق وقيم  هذا التكيف  ومنها النجاح الفردي, الربح , ريادة الاعمال, الاستهلاك, الحرية الفردية بمعنى أن الدين لم يعد هوية جماعية أو مشروع سياسي  كما كان إن الاسلاميين التقليديين  بل أصبح خياراً فردياً. بل أن العديد من الوعاظ الاسلاميين من دعويين عقديين الى  الى شخصيات "تسويقية" تروج لقيم النجاح والتنمية الذاتية  وتقدم الاسلام كمنج "روحي" يناسب السوق, فالمسلم اليوم  يصوم ويصلي  ويعمل وينجح  ويؤسس مشروعاً تجارياً حلالاً و دون الانخراط  في مشروع اسلامي شامل أو ثوري, ومن هنا  إستطاع بعض هؤلاء " أسلمة" الرأسمالية نفسها مثل "الصيرفة الاسلامية والمنتجات الحلال والموضة الاسلامية , ولباس البحر الاسلامي  وهذه كلها جزء من النظام الاقتصادي  العالمي, وجاء كل هذا  بعد تراجع الاسلام السياسي واستبداله بتدين  ينسجم مع واقع   من أجل تغييره.

"إسلام السوق"  لايدعوا الى الثورات بل يركز على النجاح الفردي  أكثر من مفهوم العدالة الاجتماعية وعلى إصلاح النفس  كطريق لتغيير العالم. وهذا النوع من التدين في إعتقادي  جزء من التحول  النيوليبرالي للمجتمعات العربية, وقد نشهد تحولات  جديدة , طالما نحن من يتأثر وليس من يؤثر.

الأربعاء، 7 مايو 2025

العيش في التراث أم تجاوزه؟

   

 
اعترف نصر حامد أبوزيد أنه ينقد تراثنا من داخله، في حين اتجه به عابد الجابري غرباً بشكل أقل حديةً محاولة منه للاستفادة من حفريات فوكو ومدرسة الحوليات التاريخية. في حين استخدم أركون مناهج النقد والبحث الغربية وحاول تطبيقها عليه، لوحاولنا ترتيب الثلاثة قرباً أو بعداً من التراث من خلال دراساتهم فسيأتي أبوزيد ومدرسة المعتزلة التأويلية ومجازية الجرجاني في المقدمة وبعدها الجابري ومزجه وأخيراً أركون والسيميائية والفلولوجية وما طبقه من ألسنيات على النصوص.
ما أريد الإشارة إليه هنا ليس تلك الفروق بين باحث وآخر أو تكفير أحد دون غيره كما نشاهد اليوم فطالب العلم لا يكفر ومن رزايا الأمة اتباعها لأقصر المناهج لوأد العقل باسم الخوف على العقل وباسم الخوف من الفتنة.
ما يحسب لهؤلاء الباحثين هو تضحيتهم وصبرهم ومكابدتهم وانعكافهم على البحث وانشغالهم بأمور أمتهم حتى آخر رمق من حياتهم.
وكم كابد أبوزيد وكم شتم أركون وكم انتقد الجابري بل كم كفروا وأخرجوا من الملة وهم أحياء يرزقون.
إن ثقل التراث العربي والإسلامي وتماسكه ونقله من جيل إلى جيل جعل من محاوله دراسته وتفكيكه أمراً شبه مستحيل ومن يقوم به يعد منتحراً قبل يومه في حين يرفل ناقليه إلينا يوميا بغثه وسمينه في بحبوحة من العيش ورغد ما عليهم سوى ترديده واجتراره.
سطوة الجانب الاجتماعي كانت كبيرة على من يحاول الفرز وإعمال العقل وأساليب البحث والتقصي الحديثة كالتي استعملها أركون والجابري وحتى تلك التي استعملها أبوزيد وهي من داخل التراث الإسلامي إلا أنها وئدت مبكراً وتسلط التقليد بعد إحراق فكر ابن رشد وكتبه.
ما ألاحظه هنا وأتساءل عنه هو: هل عاد من عاد من هؤلاء المفكرين إلى التراث حاكماً لا بديل عنه ومحاولة التصالح معه اقتناعاً منهم أو مجاراة لمرحلة عمرية بدأت بالتمرد ومن ثم بالانصياع كالشمس عند غروبها تخفت أشعتها. من هؤلاء المفكرين طه حسين صاحب الشعر الجاهلي ومحمد حسين هيكل ودعوته للتغريب وزكى نجيب محمود وخرافة الفكر الميتافيزيقي والمسيري كذلك ومن الأحياء محمد عماره ماركسي البداية وغيره، كلهم عادوا إلى حظيرة التراث واستكانوا بعد ثورة. لعل العديد منهم تعاضد السن والمجتمع على إيوائه داخله والله أعلم، ولكن من يلتزم قناعته أولى بالتقدير وإن لم ينصف في حياته. ولكن القاعدة لا تستقر إلا ببعض الشذوذ برغم استكانة التاريخ والجغرافيا وحياديتهما فمن قلب البيئة النجدية القصيمية الوهابية خرج عبد الله القصيمي وألف العديد من الكتب حول إشكاليتنا مع التراث فيها من الحدة والنقد الشيء الكثير.
نحن بحاجة إلى مدرسة جديدة في التاريخ لا يقوم فيها الماضي مقام الحاضر ولا يبرز الحاضر حكماً لما قد يفرزه المستقبل إلا بما قد يحفظ للإنسان كرامته وحريته وسيادته وخلافته لله على هذه الأرض

الثلاثاء، 6 مايو 2025

الهوية القاتلة

 لو يعلم من يدفع بمجتمعاتنا إلى هاوية الرؤية الضيقة والبؤرة المحرقية التي تقضي على غيرها ثم تتآكل هي ذاتها من الداخل   أن الاختلاف  عامل أساسي وهام لتعايش المجتمعات،  والحفاظ على أجيالها من الحروب والاقتتال.

 . الدفع بالهوية الاحادية  قتلاً مؤجلاً، الدفع بالمصطلح الهوياتي الضيق سواءً كان  دينياً أو عرقياً  وحده فقط  دون غيره  من أوجه الهوية الأخرى انتحاراً منتظراً.. في زمن «الفتن» وهو مصطلح ديني ينتج مفاهيم دينية والحقيقة أن هذا الزمن ليس زمن فتنة وإنما زمن «مصالح سياسية واقتصادية» تعيش على استهلاك مخزون الدول والحضارات الأخرى من بنى دينية واجتماعية متخلفة.. ولي هنا بعض الملاحظات.
أولا:   ميزة الاختلاف التي خص الله بها البشرية نتيجة أمانة «العقل» التي فضل بها الله بني آدم على غيرهم من المخلوقات «ولا يزالون مختلفين». فالمسلم يأخذ من عقيدته ما يميزها عن غيرها بينما المسيحي أو اليهودي أو غيرهما له ما يستند إليه وهكذا هذه هي ديناميات التعايش.
ثانياً: التطرف الديني في المجتمعات الصناعية ناتج عن غربة الإنسان وتهميشه أمام الآلة ورأس المال فاليوتوبيا هناك يوتوبيا عدمية بينما اليوتوبيا عندنا كمسلمين أو متدينين يوتوبيا «قيامية» لذلك هي عندنا جماعية وأشد تجذرا وهذه مشكلة لا يمكن مواجهتها إلا بتغير جذري في فكر المجتمعات  وإدراك  أهمية التعايش    
ثالثاً:المفروض التخفيف من وهج يوتوبيا العصر الأول وقدسيته سوى ما يتعلق بنبي الرحمة  الكريم  وتدريس التاريخ للأجيال بشكل أقل قدسية ونقاء تدريسه واقعا بشريا وتخليصه من «المدهش» بقدر الإمكان إن كان ثمة أمل يرجى لجيل جديد ينتظم قدما ولا ينكص على عقبيه خوفا من المجتمع المصاب بتاريخه كمرض أو متلازمة أمراض وقة ضاغطة على حاضره ومستقبله. فالهوية الاحادية التي  ترفض غيرها   ولاتقبل العيش مع الاختلاف , هوية قاتلة , والتاريخ منها براء.

المعنى بناء وليس إكتشاف

 لا يمكن لأي مجتمع ان يتقدم طالما كان همه المستمر هو اكتشاف المعنى وليس بناء المعنى، عند كل مشكلة أو إشكالية تنصب المحاولات على إعادة اكتشاف المعنى والحل لها، محاولة اكتشاف المعنى يعني أنه واحد غير متعدد وهنا يبدأ الخلاف والصراع، بينما محاولة بناء المعنى تعني أنه متعدد متجدد، الماضوية التي نعيشها ولا نكاد نبارحها، تنطلق من محاولاتنا المستمرة لاكتشاف المعنى المستقر وليس العمل على بناء معنى أو معان كما تبنى العمارات، لأن المعنى متجدد ويتجدد دائما لكي يبقى معنى، إحالتنا المستميلة للماضي لإيجاد حلول من داخله تجعل من المعنى واحدا والبحث لاكتشافه كمحاولة البحث عن النفط في أي مكان في هذا المعمورة، فالنفط هو النفط سواء وجد في ألاسكا أو وجد في الصين،، بينما المعنى ليس مادة وإنما فهم تحكمه ظروف وجغرافيا وتاريخ لذلك محاولة اكتشافه تعني تجميد كل هذه الظروف التاريخية والجغرافية والديمغرافية في لحظة واحدة كانت صالحة وتحتمل معنى معينا في حينه، بينما بناء المعنى مشروع يأخذ بالظروف والواقع والوقت، نحن نحتاج إلى بناء مستمر للمعنى في ثقافتنا وليس محاولة اكتشافه باستمرار، ما كان يصلح للسابقين لم يعد يصلح للاحقين بنفس المعنى لا سياسيا ولا ثقافيا ولا اجتماعيا، قلما تقتحم عملية البناء تاريخنا، فمعظمه استعادة واكتشاف، اكتشاف معنى العدالة مثلا لدى بعض الصحابة والتابعين لا يصلح لنا هكذا مجردا، لان ذلك كان ورعا شخصيا لفئة قليلة.. ما نحتاجة اليوم بناء جديدا لمعنى العدالة يأخد مفهوم الرقابة والمشاركة وغير ذلك مما يتفق وتعقد اسلوب الحكم وضخامة المجتمعات والاقتصادات، أيضا نحتاج إلى بناء فقه جديد يتفق وظروف العصر، كذلك نحتاج إلى الاقلال وربما اقفال مصادر الصوت الواحد الذي يدعو لاكتشاف المعنى بدلا من بنائه بالرد إلى الماضي واقتناص صور فوتوغرافية وكأنها المجال العام والسائد. علاقاتنا التي تزداد عمودية يوما بعد آخر مع السلطة وأصحاب القرار على حساب العلاقات الافقية الصحية لبناء المعنى وتصحيح النفوس، دليل واضح على أننا نبحث عن المعنى لعجزنا عن بنائه كما تبنى الاهرامات. المعنى في الحياة هو مستقبل دائم وليس ماضيا تاما، تاريخ الدولة لدينا كأمة هو تاريخ اكتشاف للمعنى، لذلك نُهزم كل يوم ولا نزال نتغنى بحضارة 5000 سنة أو بحضارة ما بين النهرين، أو بالغوص على اللؤلؤ، المعنى الجاثم هناك يحتاج إلى عملية بناء تجعل منه حاضرا يتجسد وليس عملية اكتشاف كما هي قائمة.

الطبقة الفنية المفقودة

 من أجمل المشاريع التي أنشئت في قطر، مع الأسف لم يستمر، مشروع كان هدفه إعداد جيل من الفنيين تحتاجه الدولة، رأيت كثيرا من الشباب ذوي المهارات الجديدة في الكهرباء والحدادة والنجارة، لو قدر له أن يستمر وأن يدعم لحقق نتائج باهرة، هناك اليوم مدرسة التقنية على ما أعتقد «الصناعة» سابقا، إلا أنها لا تأخذ نفس الزخم من الاهتمام، والسبب ليس قصورا في الدولة ولكن في نظرة الناس للعمل اليدوي بشكل خاص، وهناك سبب آخر هو التغير لدى نفوس الشباب بسبب نمط الاستهلاك المسيطر اليوم على جميع مناحي الحياه الاجتماعية، الاجيال السابقة، كان لديها استعداد وتقبل بعض الشيء للعمل اليدوي، حيث لم تنغمس في الاستهلاك، ولو كان هناك رعاية حقيقية من ناحية الاجور والدرجات الوظيفية لهذه الطبقة المهنية المتوسطة لامتلكنا كثيرا من الفنيين في جميع المجالات.

العجيب ان معظم الفنيين من الأجانب سواء الأوروبيون منهم أو الآسيويون كانوا بمستوى «البوليتكنيك» وهي معاهد متوسطة بمستوى مركز التدريب والتطوير السابق، لكن المجتمع كان يرى من خلال عقدة الاجنبي، فنعاملهم معاملة كبار المهندسين والمشرفين في السكن وفي الأجور، عندما كنت مسؤولا من إحدى المؤسسات التي كان يعمل بها عدد من الانجليز والذين كانوا يحتلون اعلى المناصب، حين سألت عن شهاداتهم تفاجأت أنهم لا يمتلكون في أحسن الاحوال شهادة «البوليتكنيك»، وتفاجأ بعضهم بالسؤال حيث كان يعتقد أن جنسيته تكفي؟ أعرف شبابا تخرجوا من مركز التدريب على درجة عالية من الفنية في العمل سواء الكهربائي أو الأعمال الفنية الاخرى، أذكر أنني في بداية عملي بعد الثانوية وقبل التحاقي بالجامعة، كنا في حاجة ماسة لكهربائي لإصلاح الإضاءة في مبنى الإدارة، وتم إحضار أحد الشباب الذي كان يلبس «البلوسوت» الأزرق ومعه معداته وأخذ في العمل مدة أعتقد أنها طالت بعض الشىء، فصحت به «رفيق متى فيه خلاص» لأتفاجأ برده قائلا «اشفيك أنا قطري مثلك» تمنيت ساعتها لو أن الارض تنشق وتبتلعني. لم أتوقع قط أن هذا الشاب قطري وكنت أعتقد أنه آسيوي بلا جدال، لم أكن متعودا على رؤية شاب قطري يلبس هذا وبيده «سكاريب ومسامير واسلاك» أدركت ساعتها اننا كمجتمع احيانا نكون جزءا من المشكلة التي نسعى لحلها، ونبحث بعيدا، بينما نحن نعيش الإعاقة في داخلنا قبل كل شيء.إن الطبقة الفنية الوسطى هي الطبقة المفقودة في مجتمعاتنا مما يشكل إعاقة كبيرة في سبيل تطورها  واعتمادها الذاتي  على شبابها 

الدين والاستهلاك

 يأمل بعض مفكري الغرب أن تستطيع الرأسمالية مع موجاتها المتعاقبة وفي صورة متقدمة من صورها الاستهلاكية أن تحتوي الدين بصوره أو بالأحرى لكي يمكن تقديمه حسب الطلب وحسب المواصفات التي يريدها المستهلك حين يتجول في السوبر ماركت ليختار ما يريد من بضاعة حسب ذوقه وشروطه وقدرته المادية. لك أن تتصور يا سيدي أن بإمكانك أن تختار من الدين ما يناسب ميولك ونظرتك للحياة طالما أن الدين اختياري والعقيدة ليست اجبارية. فأنت بالتالي أمام تنوع مدهش، هذه النظرة الاختزالية التي تستبعد الجانب الروحي كجانب اساسي له مدخلات التي قد لا يمكن حسابها أو يستحيل حسابها ماديا وانما هي هوى يستقر في النفس لتتحرك به الاعضاء، يعتقد البعض انه بالامكان تحويل الجانب الروحي إلى مجال اختيار مع الوقت.

اعترف أن هناك تقدما مع الوقت في هذا المجال حققته القفزة الاعلامية المتطورة يوما بعد آخر مع القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الاخرى المتكاثرة بجميع الاشكال، اصبح بامكانك أن تختار داعيتك المفضل حسب الطلب بالشكل والصورة والاسلوب الذي تحب والوقت الذي تريد كذلك. ويمثل شهر رمضان السوبر ماركت الكبير لمثل هذا الاختيار فدعايات البرامج واسماء المشايخ تحتل الصحف والمجلات قبل الشاشات، أليس هذا يعد تقدما في سبيل تسليع الدين وادراجه في السوبر ماركت مع البضائع الاخرى. هذا على الاقل فيما يتعلق بمجتمعاتنا الإسلامية، اما المجتمعات الاخرى فالأمر اكثر تقدما منذ زمن فحين استعصى على احد ملوك بريطانيا الزواج انتقل إلى عقيدة داخل الدين المسيحي أو بالأحرى انشأ عقيدة اخرى واسماها الكنيسة الانجليكانية.
عندما يعتقد البعض اننا نعيش للدين وليس بالدين يصبح في الامر معضلة. الدين جاء لتخفيف معاناة الإنسان ولإرشاده لما يسعده في هذه الدنيا. الدين جاء لنحيا به لا من اجله إلى أن تحين النهاية. النظرة لتسويقه جاءت لاعتقاد الغرب وليس كله بالطبع انه في مواجهة مع الإسلامي، هكذا خيل له أو جعله البعض يتصور ذلك نتيجة سوء العرض لهذا الدين الإنساني الخاتم.
أنا اعتقد ما لم تكن لدينا القدرة لإظهار الإسلام كما أراده الله رحمة للعالمين فعلينا وزر، أما اذا عرضنا بما يخالف ذلك فعلينا وزران.
أعتقد أن من أول بدايات دخولنا عصر التسليع الديني لاشعوريا هو التركيز على رمضان والقنوات الفضائية والتسابق على عصرنة الإسلام بحجة أو بأخرى  في حين أن في شبابنا وبدايات النهضة في دولنا في الستينيات وأوائل السبعينيات كان الدين كالهواء النقي نتنفسه ونسعى اليه ونعيش به ونحن لانملك قناة واحدة ولا سوبرماركت من حولنا وكان شيوخنا هم آباؤنا واجدادنا   ومدرسينا الاوائل.

الاثنين، 5 مايو 2025

قطر ومرتبة الإحسان

 ليس المستوى الرسمي هو وحده الفاعل في العلاقة بين دولة قطر وشقيقاتها من الدول العربية، بل كان هناك مستوى شعبي على قدر كبير من الرسوخ والصلابة من خلال النهضة التعليمية التي شهدتها الدولة منذ الستينيات وصاعداً، لم يكن الاخوة العرب من المصريين والفلسطينيين وغيرهم فقط مدرسين بل كانوا أيضاً طلاباً ودارسين في النظام التعليمي القطري الذي بدأ بقوة وبتوجه عروبي قومي جعل من الطالب يشعر بعروبته قبل أقليميته الضيقة وبإنسانيته قبل دينه الذي يعتنقه، لازلت أذكر إخواناً من العرب الفلسطينيين ذوي الديانة المسيحية يدرسون معنا امتازت العلاقة معهم بود شديد وبألفة ومحبة،   وغيرهم كثيرون، غير الاخوة من الاشقاء المصريين واليمنيين والأردنيين الذين درسوا معنا كذلك. وبعض الاخوة من السودان لا أذكر طلبة من المغرب العربي في ذلك الوقت. علاقتنا بإخواننا العرب علاقة وثيقة، لايزال هناك الكثير من هؤلاء الاخوة يذكرون الجميل لقطر والفضل أيضاً في تعليمهم، كثير منهم عادوا أطباء ومهندسين للعمل في قطر، أنا اعتقد أن إشكالية التعايش مصطنعة ولا دخل للطرفين شعبياً بها، البُعد العربي أضفى على العلاقة الشعبية بين أبناء الامة نوعا من الثبات والمشترك العام أكثر من ضيق الاجندات الايديولوجية التي عملت على التفريق بين مكونات هذه العلاقة بشكل يمكن تلمسه من ردود الافعال على تطور هذه العلاقة الايديولوجية الضيقة، كان الاخوة من الديانة المسيحية لا يحضرون دروس العلوم الشرعية ويكتفون بعلامة النجاح الموضوعة لهم لاختلاف ديانتهم عن المنهج، لم يكن ذلك يمثل لنا أي مثلبة أو نقصاً يمكن التكتل حوله بل يلتئم جمعنا بعد تلك الحصة في ما تبقى من الحصص بكل ودَ وتآلف، تلك الروح السائدة جعلتنا نتكدس خلف المقاومة الفلسطينية ونتزاحم ونحن صغار في الابتدائية لنحضر خطاب أحمد الشقيري في استاد الدوحة، كانت قطر عضواً فاعلاً، نعم لقد ساهم الاخوة الفلسطينيون في نهضة قطر التعليمية بالذات مع إخوان لهم من مصر العربية كذلك، وكذلك قطر ساهمت أيضاً في تعليمهم وفي توظيفهم بعد ذلك، إ علينا أن نوظف العلاقة بشكل أفضل لايرى فيها المواطن سلباً ولا يشعر بها الآخر مغنماً. ولا نعتبر الشذوذ قاعدة كما لا تُعتبر القاعدة شذوذاً. أبناء أوائل المعلمين من إخوتنا العرب وأحفادهم كذلك علمتهم قطر ودرسوا في مدارسها وجامعتها ولا زلت أذكر أسماء العديد منهم   نحتاج جميع إخواننا العرب ليسوا كبديل وإنما كشركاء بعيداً عن الايديولوجية الضيقة والطهورية الدينية والثورية الانتهازية.

الحياة مابعد السُلطة

  

أشفق   على كثير من  الزعماء والقادة العرب لسبب بسيط وهو عدم وجود حياة حقيقية لهم بعد غياب السلطة عنهم وحتى وإن وجدت فهي حياة أقرب إلى الجمود منها إلى الحياة، فالإفراز التاريخي لأمتنا في هذا الخصوص لا يخرج عن موت القائد أو الزعيم أو إبعاده قسراً وغيابه في المنفى وفي بعض الحالات التخلص منه ومن مرحلته بأي طريقة كانت، باستثناءات محدودة، فهذه المخرجات هي ما استوطنت عليه أمتنا ولو استعرضنا الوطن العربي نجد أن هذه هي شروط انتقال السلطة وإن تلاشت بعضها مثل الاغتيالات وبقي المراهنة على الموت لتداول السلطة. ما يدعوني إلى التذكير بهذه النقطة النماذج الغربية للحياة بعد السلطة فالرئيس الأميركي الاسبق كلينتون مثلا  بعد خروجه مباشرة من السلطة أصبح محاضراً في العديد من الجامعات وتعاقد مع جامعة أكسفورد للتدريس فيها بعد خروجه من السلطة في البيت الأبيض بوقت قصير وقبله انتقل بوش الأب إلى إدارة أعماله في تكساس بعد سنوات حامية في البيت الأبيض وغيرهما كثيرون في أوروبا ممن يمارسون حياتهم باستمتاع كبير بعد سنوات السلطة والزعامة.
فالسلطة هناك فترة مرحلية تتبعها فترات من النضج والتأمل ولكنها عندنا نهاية المطاف وغاية المنى وغالباً ما يخيب الظن في النهاية فإذا بها كارثية. مثل هذه الحالة النكوصية التي يعاني منها وطننا العربي الكبير ولا تشاركه فيها سوى بعض دول إفريقيا وآسيا، هذه الحالة التي يندفع فيها الشعب والجيش في أغلب الأحيان ليمارس صلاحياته تحت مسمى استشراء الفساد دونما خطة أو برنامج لا تمثل حلاً ناجعاً للاشكال، حيث لا آلية واضحة لممارسة العمل السياسي، فإذا بالفساد يعود من جديد وبثوب آخر. ولو استعرضنا وطننا الكبير بلداً بلداً وتساءلنا عن السلف فهو بلا شك يقع بين تلك الإفرازات التي أشرت إليها سابقاً، " دول الخليج استثاء " نظراً لطبيعة السلطة وطبيعة انتقالها "ولو تساءلنا أكثر عن المستقبل، أي ما بعد الزعيم أو القائد الحالي، فليس هناك جواب وانما الأمر متروك للقدر، فهو بالتالي لا يخرج عن تلك الإفرازات أيضاً:  ان مأساة الأمة ومكمن أمراضها يتمثل في الاستبداد فلا مخرج لها من دون التعامل مع هذا الداء حيث لا إصلاح للتربية ولا إصلاح للثقافة ولا وجود حقيقيا للتنمية دونما البدء بمعالجة الاستبداد الذي يجعل من السلطة نهاية المطاف وليست مرحلة يبنى عليها وترتكز عليها خطوات أخرى، لقد هُزمت الأمة من جراء هذا الاستبداد ونزفت أموالها إلى العدو واقتصاداته الموالية بسببه ولسبب حب السلطة أو جعلها نهاية المطاف، فلا يحتمل عربي أن ينزل من السلطة ليعامل بعد ذلك كإنسان أو مواطن عادي، وهذه في حد ذاتها إشكالية ثقافية لايقبلها العقل العربي بسهولة. لأنه يرى السلطة في تقابل مع الحياة أو بالاحرى هي الحياة فلاحياة له بعدها.