الاثنين، 5 مارس 2018

"ما خفيَ أعظم" ومأزق الشعوب


 


 تبدو شعوب المنطقة في مأزق بين غيابها الفعلي ووجودها  الظرفي عند الحاجة , لذلك تبدو محاولة الحكم  على أحداث التاريخ  يشوبها  بعض التناقض بل تبدو إشكالية  تحمل في جنباتها تناقضتها  التي تتعايش في داخلها , أثار فيلم الجزيرة  المسمى " وما خفي أعظم" الذي يحكي قصة  الانقلاب الذي كان  مخططاً له عام 96 للإطاحة بحكم الامير الوالد الشيخ حمد  لغطاً كبيراً بين من يرى أنه كان ضرورة تاريخية لربط الاحداث ببعضها البعض وتفسير ما تلا ذلك من تطورات ونتائج وبين من يرى أنه  يزيد من تعقيد الامور وليس ينتظم مع سياق الاحداث بعده لاختلاف الظروف  وسياق الاحداث بعد ذلك  نظراً لطول المدة  وفصول الربيع الكثيرة التي تلت ذلك . إلا أنه "الفيلم" يبقى مثالاً واضحاً  على مأزق هذه الشعوب في القدرة على التصور  والحكم  على الاحداث  التي لاتشارك فيها  ولاتصنعها  فبالتالي تطلق أحكاماً لفظية  تقوم على  رؤية شخصية مرتبطة نفعية في الغالب , لذلك  نرى من يوصف بالخيانة عند البعض يوصف بالوطنية  او البطولة عند البعض الآخر أو مايطلق عليه محاولة انقلاب عند البعض , تسمى محاولة تصحيح عند البعض الآخر , هذا  التداخل في الحكم  ينطلق أساسًا من بعدين اساسيين  لايوجدان الا في المجتمعات ذات الطبيعة المشابهة لمجتمعاتنا  سواء في تطورها التاريخي أو الاجتماعي  وهما:

البعد الاول :نظراً لغياب الحياة الدستورية التي أساسها  الدستور  الديمقراطي  بين الحاكم والمحكومين , يصبح الولاء  للحاكم بصفتة الذاتية وليس بصفته الدستوريه حيث لادستور والقسم بالتالي يصبح بأسمه  وخاصة لكبارالمسؤولين و ضباط الجيش والشرطة , وعند تعرض  الحكم  لزعزعة أو إنقلاب يصبح  القاسم المشترك بين الحاكم والقادة من المسؤولين هو القسم الذي تم بينهم , لذلك  هم بين  أمرين أحلاهما مُرُ فإلتحاقهم بالقادم الجديد قد يبدو خيانة  للقسم الذي أقسموه  ودفاعهم  عن القديم قد يبدو خيانة عند الطامحين الى التغيير  , من هنا جاءت فكرت النأي بالجيش عن السياسة  وضرورة وقوفه على الحياد  ومن هنا تبدو الدولة الدستورية حاميا من التقلبات  الفردية الشخصية.

البعد الثاني: أن إنتقال السلطة في مجتمعاتنا الخليجية تتم داخل القصر  وليس الشعب أساساً طرفاً فيها  الا في حالة الكويت وبدور محدود  بل يبدو شكلياً وفي ظروف خاصة جداً  .لذلك هي تتخذ موقفاً تاريخياً  لم تشارك في صنعه  فبالتالي يبدو دورها  كدور مشجعي كرة القدم في استاد رياضي  , من هنا ايضاً يبدو حكمها على التاريخ حكماً إنطباعياً  هشاً, ومن هنا ايضاً يبدو الحكم  شأناً عائلياً صرفاً  طالما لايسع المجتمع ان يتدخل فيه فبالاحرى لايجوز لدول الجوار أن تتدخل فيه أو أن تمنعه.

هاذان البعدان  يجعلان من الصعوبة بمكان الحكم  على مايجري اليوم في أزمة الخليج حكماً ملتزماً  بقدر من الحيادية العلمية, غياب الحياة الدستورية  , الاستفراد بالسلطة ,  حكم القصر الميتافيزيقي المنفصل عن الدنيوية الشعبية  كل هذه الامور تجعل الايديولوجيا تتلون بأطياف قوس قزح مع كل محلل  أو معلق سياسي  أو طامح للإرتزاق من بعيد , ومع ذلك  يجب التنبه الى أهمية تدارك الانزلاق الى  الحرب وإسالة الدماء بين أفراد الشعب الواحد في الخليج لذلك تبدو صحوة ضمير العسكري القطري برتبة نائب وخروجه  من العزبة ليلاً لكشف خيوط المؤامرة  عملاً إنسانياً كبيراً يخفف من ذنبه الاول بالالتحاق بها  هي هبة سماوية أراد الله ان ينقذ بها شعب قطر  من كارثة حقيقية , ولكن يبدو أيضاً أن هاذين البعدين غياب الدستور  وعدم  المشاركة بعدين  خطيرين  بإستمرار مالم نتداركهما  فأننا في نطاق المؤامرة وفي مجالها الحيوي لانزال.

 

 

هناك تعليقان (2):