الأحد، 1 مايو 2011

إنسان البورصه وثقافته البديله

 

  
في اعتقادي أن نقطة البداية لدراسة أهم تغير سلوكي وثقافي بوجه عام طرأ على الإنسان القطري منذ العقود الثلاثة الذاهبة على الأقل حتى اليوم فترة استثمار عائدات النفط تنطلق أساسا من تاريخ إنشاء سوق الأوراق المالية البورصة في قطر. بالطبع كانت للإحداث التي طغت على المنطقة بشكل عام وعلى الدولة بشكل خاص سواء
الإقليمية منها أو العربية أو حتى الداخلية آثارها ونتائجها الواضحة ولكنها لم تحدث تغيراً نفسياً ولا سلوكياً في الفرد القطري ولم تمس ثقافته بشكل ملحوظ مثل ما نرقبه ونشاهده ما بعد افتتاح البورصة واندماجه ضمن آلياتها. ثمة تغير هيكلي بنيوي أصاب نسق تفكيره واحدث تغيراً واضحاً في توجهاته الثقافية بشكل أشمل. دعونا مسبقاً نقرر أن افتتاح السوق المالية عمل ضرورىو صائب    لعصر مالى الطابع والتوجه  . ولو عقدنا مقارنة مبسطة بين إنسان ما قبل البورصة وإنسان ما بعد البورصة في قطر فأننا سنجد أن الإنسان الذي نعايشه اليوم غير ذلك السابق المتكل على الله في رزقه، يكفيه قوت يومه ويهمه من أمر مجتمعه وأمته أقصاه، ينشغل لأية كارثة أو مصيبة تلم بإطرافهما انشغاله على آل بيته، يجلس الوقت مع أصحابه يتجاذبون إطراف الحديث العفوي الاجتماعي ويتندرون بالتاريخ وقصص الأولين، يُسمي أولاده بأسماء محبيه وقادته وزعمائه أمعاناً في الوطنية وحباً في الأمة وتاريخها، يتحرى السلامة في مأكله وملبسه ومشربه، روح الجماعة لديه مقدسة والانفرادية عنده مذمومة وصاحبها مذموم، يحوي من الأمثال والقصص والروايات ما يجعل من حياته عيشاً هنيئاً وظلالاً وارفاً، يرى في القناعة منتهى السعادة والأمل.

أن إنسان ما بعد البورصة مختلف تماماً، عصبي المزاج، شاخص النظر، لا يحب الشرح والإطالة فيه، مضطرب دائماً، مزاجه مرتبط بحركة مؤشر السوق، عينه على اللحظة، ينهار بسرعة، يبكي بحرقة، الثقافة لديه مضيعة للوقت فيما عدا ثقافة السوق، لا يعير للتاريخ اهتماماً، خالي المضمون إلا من الربح والخسارة، النضال لديه معرفة أين سيكمن الربح وأي الأسهم سيرتفع، النصر لديه عندما يخرج آخر اليوم غير خسران، المعركة في نظره لم تأت بعد فغداً يوم آخر، العدو أمامه الحظ العاثر والمضاربون المنافسون، إذا خسر فهي خسارة الدنيا وإذا ربح انتصرت الأمة، العمل لديه وعنده فقط في حسن التوقع، مغترب تماماً أمام أمواله تتحكم في مشاعره وقد تأتي علي حياته فحالات الإغماء والسقوط مشهد يومي. منصهر تماماً وكلياً ضمن بوتقة مؤشر أسهم السوق منه ينطلق وإليه يعود عدم اكتمال هذه الصفات في الشخص يعني عدم اكتمال ثقافته البورصية وبالتالي ثمه أمل في علاجه عندما تنسحق مركزية الإنسان أمام أدواته وأشيائه وتتحول الأداة الى أن تصبح هي المركز قد تتفكك القيم والروابط القائمة على هذه المركزية الإنسانية فنصبح أمام مجتمع منزوع الإنسانية.

إن الثقافة التي أراها تتسيد اليوم في اوساطنا غير تلك التي اعتقدنا أنها ثقافة العصر نحن أجيال العقود السابقة بل ولازمة التقدم للأمة والمجتمع فهل نحن أنفقنا العمر هباءً منثوراً؟ هل كانت كتبنا ومناهجنا وما تعلمناه ضرباً من خيال فهوي بهذه السرعة؟ هل كانت أهدافنا في السابق بيوتاً من الرمل سرعان ما اختفت دفعة واحدة؟ فثقافة البورصة المكتسحة حالياً لا تحتاج كما قيل لي الى كل ذلك الكم فزيارة واحدة أو اثنتين ومعايشة الأمر على الواقع تجعل منك صاحب خبرة لا بأس بها كافية للعمل والاتجار ومستقبلاً ربما تصبح أحد هواميرها الذين يتوغلون داخل شرايين التاريخ ويحتلون الصدارة منه.

ما أود التذكير به في هذا الخصوص أن البورصة هي أحدى أدوات المجتمع الرأسمالي واعتمادها ضمن المجتمعات التي لم تترسمل بعد يحتاج وبنفس السرعة الى اعتماد بنائها الفوقي وهي الديمقراطية خاصة في المجتمعات الريعية حيث الصعود بنفس سرعة الانهيار. وحسناً فعل سمو الأمير حفظه الله من خلال كلمتيه في كل من منتدى التنمية ومؤتمر أمريكا والعالم الإسلامي الأخيرين في الدوحة عندما أكد على أهمية الديمقراطية وعدم التلكؤ في تطبيقها حفاظاً وضماناً لمكتسبات الأفراد والمجتمعات.

على كل حال. إنسان البورصة إنسان ذو بُعد واحد وهي ظاهرة لاحظها العلماء من قبل مع التوسع الرأسمالي الذي وصل ذروته مع العولمة وكل ما ألحظه من بقايا ثقافتنا السابقة هو احتفاظنا لا نزال بأسمائها وأسماء رموزها الأوائل من الأدباء والزعماء سواء للإفراد وللميادين والشوارع وغيرها من معالم دولنا وخوفي كبير أن لا يستمر ذلك ونضطر الى تغيير ذلك بفعل تداخل نشاط البورصة الضمني في مسار حياتنا وتماهياً مع ثقافتها الجارفة ذات الجزاء الفوري التي لا تجعلك تفكر كثيراً فتفرض أسماء أدواتها ورجالها على واقعنا الكبير ويصبح بالتالي صورة لما نشهده داخل قاعاتها من ثقافة منعزلة عندئذ لن يبقى من الإنسان شيء سوى صورة اللحم والدم

هناك 4 تعليقات:

  1. مقتبس :

    وحسناً فعل سمو الأمير حفظه الله من خلال كلمتيه في كل من منتدى التنمية ومؤتمر أمريكا والعالم الإسلامي الأخيرين في الدوحة عندما أكد على أهمية الديمقراطية وعدم التلكؤ في تطبيقها حفاظاً وضماناً لمكتسبات الأفراد والمجتمعات.

    متى كان ذلك المؤتمرين ؟
    لانني لم اعد اسمع اي ذكر للديمقراطية في الخطب الرسمية في افتتاح انعقاد الشورى وغيره منذ سنوات وهذا مؤشر غير ايجابي بالطبع .

    بالنسبة لتاثير البورصة .. لا ادري اعتقد ان الانسان في قطر انتقل الى خانة الاستهلاك من خانة الانتاج والتفعيل والاشراك منذ السبعينيات وبعد الطفرة الاولى لاسعار النفط .

    على انني اتفق معك في ان

    : أن البورصة هي أحدى أدوات المجتمع الرأسمالي واعتمادها ضمن المجتمعات التي لم تترسمل بعد يحتاج وبنفس السرعة الى اعتماد بنائها الفوقي وهي الديمقراطية خاصة في المجتمعات الريعية حيث الصعود بنفس سرعة الانهيار.

    واقول يعطيك العافية

    ردحذف
  2. ربما كان ما تعلمناه من كتب رسمية وغير رسمية (( ضربا من خيال فهوى )) و لكن تعال لمناهج اليوم وثقافة الانترنت الطافحة اليوم ..اما المناهج فهي شذر مذر وما ادراك ما مناهج اليوم ! او بعبارة اخرى هل هناك تناقض اكبر مما هو عليه الامر اليوم بين ما يدرس عيالنا وما يرونه في الواقع !!

    ردحذف
  3. كان معاي قرشين حلوين خسرتهم في البورصة في سهم ناقلات...و زعلت ثم قلت لنفسي طلقها و صحتك في الدنيا، و منذ ذاك الحين أرى إنسان البورصة مرة طافح بالسعادة و مرة غارق في الهم كعاشق خط سطرا في الهوى و مشا.

    ردحذف
  4. كل دوله فيها سوق مالي حر تتحول الى دوله ديموقراطيه مع الزمن

    لأن المساهمين يضغطون لمزيد من الشفافيه ، وهذا واقع عايشناه في دول الخليج ، فقبل السوق المالي لم يكن أحد قد سمع بالشفافيه . اليوم الوضع مختلف .

    الشفافيه تصبح عادة لدى الشعب و يتقبلها المسؤول مع الوقت ، و هي الخطوه الاولى و المهمه نحو اليموقراطية .

    ردحذف