الخميس، 18 ديسمبر 2014

التاريخ بين من يحمله ومن يتجاوزه








هناك إنسان مسير ليحمل التاريخ على ظهره، منذ ولادته، وهناك إنسان مخيرا بين أن يعيش التاريخ في يومه أو أن يتجاوزه لغده. أن تكون مسيرا لأن تحمل تاريخ أمتك دون أن تتجاوزه يعني أنك أصبحت عبدا له، في حين أنك حينما تتجاوزه بعد أن تعيشه يعني أنه أصبح رهن طاعتك وإشارتك. الفرق بين الإنسان العربي والإنسان الغربي فرق تاريخي، بين من يحمل تاريخه كما هو غثه وسمينه وبين من عايشه ويتجاوزه في كل لحظة قادمة. من الظلم أن يولد أطفالنا ليحملوا تاريخا عمره يقارب الألفين سنه، من الظلم أن يظلمهم التاريخ قبل أن يعايشوه، من السذاجة أن يظل ديدنهم على حساب حاضرهم ومستقبلهم. ما هو التاريخ أصلا؟ إنه مجموع الروايات التي تصل إلينا من الماضي، وهناك طريقان لذلك الرواية الشفاهية والمخطوطات او الكتب التاريخية التي تسجل الحوادث وكلا الطريقتان لا يمكن فصلهما عن ميول الراوي أو الكاتب أو ميول مصادره فالأجدر أن يُحمل الأمر على ذلك، لو جلست إلى أي عربي تحادثه لوجدته مفتونا بالتاريخ يعيش به ومن أجله والتاريخ في الذهنية العربية هو الماضي في حين ان الماضي جزء من التاريخ فقط لأن الحاضر تاريخ يُكتب والمستقبل كذلك تاريخ سيكتب، تجاوز التاريخ بكتابته حاضرا ومستقبلا هي الطريق لاستيعابه، الذهنية العربية عليها الانتقال من التاريخ الى صياغته وكتابته وأدوات المرحلتين مختلفة، فالعيش في التاريخ والاستغراق فيه وتذكره والفخر به يستدعي ملكات الإنسان الذهنية بشكل رجعي بينما تجاوزه يستدعي التفكير بشكل أمامي وفتوح الأفق، الفعل الأول تكراري والفعل الثاني إبداعي، تجاوز الغرب تاريخه فأبدع، تجاوز الحروب المدنية فأنتج مدنية الدولة، تجاوز تاريخ الاستبداد فأنتج الديمقراطية، تجاوز العبودية فأنتج الحرية الفردية المسؤولة، تجاوز الشمولية فأنتج الفصل بين السلطات، هذا هو التاريخ المتجاوز لذاته وعدم تكراره. الشبكة التاريخية وخيوطها العنكبوتية تحيط بالعربي من كل جهة وصوب، تاريخ العائلة وتاريخ القبيلة وتاريخ الوطن وتاريخ الأمة، شبكه من التاريخ، يعايشها العربي باستذكارها وتحفيظها لأبنائه وأحفاده وعملية الحفظ والتلقين والمشافهة، هي من تجعل من التاريخ حملا ثقيلا، لابد من كتابته ليمكن تجاوزه، الإشكالية عندما كتبناه جعلناه فوق امكانية التجاوز كتبناه كنهاية وليس كبداية او مقدمة لاستكماله واستمراره، كتبناه بتنقيته من الأخطاء فأصبح فوق التجاوز، سطرناه بطهارة الملائكة فلم يعد قادرا ان يستكين أو أن يعاش على ارض البشر. لم نقرأه جيدا وإنما حملناه والتاريخ لا يُحمل وإنما يقرأ فشاخت بذلك الأجيال دون ان تجعل منه مستقبلا واكتفت بحمله تارة وترديده تارة أخرى عندما تواتيها فرصة لالتقاط أنفاسها.Q



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق