الاثنين، 19 يناير 2015

النظام المعرفي في المجتمع القطري"1"


 
لفهم أي مجتمع لابد من ملاحظة وإستكشاف النظام المعرفي السائد فيه, وكيفية تشكله من فترة إلى أخرى. ومدى إرتباطه بالوعي السائد. لماذا يختلف مجتمع عن مجتمع آخر؟ لماذا يختلف القطري مثلا عن البحريني أو عن السعودي أو الكويتي, من ناحية نظرته للأمور وللواقع ؟ لماذا يختلف مستوى الرضا من مجتمع خليجي عن مجتمع عربي آخر أو حتى عن مجتمع خليجي آخر. ماهي حقول اكتشاف هذا النظام المعرفي ؟التي يتشكل ويسطر من خلالها على نمط الحياه الاجتماعيه ؟ ماهي القوى الفاعله فيه ؟ علينا أولا تحديد الارضيه التي يقوم عليها النظام المعرفي بالنسبة لمجتمع كالمجتمع القطري  وهي ببساطة تتشكل من  ثلاثة عوامل هي أولا: الدين , ثانياً القبيلة ومن ثم ثالثاً الريع بعد ظهور النفط, وكل تمظهرات النظام  الاجتماعي بعد ذلك ليست سوى  تَحَرك هذه الالواح الثلاثة  التحتية  وما يحصل فيها من إنقباض وإنبساط. فبينما كان عامل الدين ثابتاً شكلت الصدفة الجغرافية عامل  الاقتصاد الريعي الذي أصبح أحد عوامل تشكل النظام المعرفي في المنطقة , كما شكلت الصدفة التاريخية بروز القبيلة المسيطرة ومفرادتها سواء كانت عائلة أو حتى فرد, في وقت ما من التاريخ  لتصبح عاملاً حاسماً كذلك في تشكل هذا البناء المعرفي .     لم يكن نتاجا لديالكتيك مجتمعي تاريخي بقدر ماكان نتاجا لبعدين ماديين هما " الريع" حيث الصدفه الجغرافيه , و"حكم العائلة"أو العائلة الحاكمة حيث اللحظة التاريخيه التي مكنت للسيطره على المجتمع  مع توافقات خارجية مع القوى العظمى في حينه. وبالتالي فرض رؤيه أو نظاما إجتماعياً  معينا متعلق فقط بمصلحة هذه البنيه ويجرى إستنزاف  عاملي البنية التحتية للنظام المعرفي  للمجتمع  مع كل مرحلة  بشكل  أو بآخر مع مايتناسب  مع الأوضاع وتبدلها, لذلك سنرى أن هذا النظام الاجتماعي   عبر المرحله التي سنعرض لبعض صوره وتشكيلاته وهي المرحله الممتده من اوائل الستينيات حتى الوقت الحالي لايتغير الا بقدر ما يعيد انتاج وتجديد هاتين اللحظتين او الصدفتين الجغرافيه" الماديه" و التاريخيه. مستنداً  على البنية التحتية المعرفية  المنتجة للنظام المعرفي    ,
أولا:لابد أولا من تعريف ماهو النظام المعرفي ؟ يعرفه" فوكو" بأنه الارضيه التي تقوم عليها معرفة عصر معين وهو المرتكز الاساسي لخطاب ذلك العصر والفضاء الذي تنتشر فيه موضوعاته والمجال الذي يفرض فيه اكراهاته .1

والجدير بالذكر ان الانظمة الإجتماعية السائده في مجتمعاتنا العربيه هي انظمة إكراهات وليس أنظمه إنسانيه , بمعني ان لاتستجيب للمطالب الانسانيه للشعوب الا مكرهه, لذلك نرى دائما أن هناك إنشطارا وصراعا للنظام المعرفي العربي بين جزءه الايديولوجي الموروث كالدين والعادات والتقاليد الاجتماعيه وبين جزءه المتحقق من اقتناص الفرصة او الصدفه سواء الجغرافيه" الثروه" او التاريخيه" القبيله"العائلة" أو العسكر".كذلك لابد من الإشارة الى أن هناك مستووين للنظام المعرفي , الأول عميق  والأخر سطحي أو مايظهر على السطح.

البنية العميقة للنظام المعرفي في المجتمع  تتمثل  كما قلت في عنصري الدين والقبيلةوكذلك عنصرالريع الاقتصادي    أما تمظهراتها في المستوى السطحي الظاهر
فتبدو في  ثلاثة أنماط من اشكال النظام الاجتماعي سيطرت على المجتمع القطري على النحو التالي
1- من الستينيات حتى بداية السبعينيات : كانت   السمه الغالبه على النظام الاجتماعي هي البساطة  حيث  لم يبرز أثر الريع بعد بشكل فج و الطمأنينه حيث الفهم المبسط للدين دونما ظهور أو وجود لأي تمظهر للجانب الأيديولوجي  في هذا الخصوص  فبالتالي كان التشابه هو  السمة   السائدة في المجتمع  على جميع المستويات الاجتماعية والى حد كبير الاقتصادية
2- من السبعينيات حتى منتصف التسعينيات: كان التموضع والاتزان سمتا النظام الإجتماعي السائد, التموضع بمعنى تمكين المتعلمين من القطريين من مفاصل الوظائف وقيام طبقه وسطى حكوميه تستقي  قوتها من البنية التحتية  سواء بالنسبة للدين او للقبيلة
3- من منتصف التسعينيات حتى اليوم:التباين والتناذر والقلق والازدواجيه ,سمات النظام الاجتماعي نظراً  للحراك في أحد طرفي البنية التحتية للنظام المعرفي الا وهي القبيلة بشكل عنيف  أحدث تأثيرات في محيطه وبوادر الخطاب الديني الايديولوجي المستورد فيما يتعلق بالبعد الديني من البنية المعرفية  ألا وهو الدين.

 ---------------------------------------------------------------------------------
1:نظام الخطاب
ميشيل فوكو . ترجمة محمد سبيلا
الناشر: التنوير - بيروت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق