الثلاثاء، 3 مايو 2016

المجتمع بين فلسفة الاخلاق ومكافحة الفساد


   

منذ فترة قرأت خطوات  اعلنت عنها هيئة الرقابة والشفافيه في قطر لمكافحة الفساد , وقبل ذلك أعلنت النيابة العامة في العام المنصرم عن استراتيجة  ووضعت لها بوسترات  "استمع وأنظر وبلغ" .وكان الضحية فراش في إحدى الوزارات قبض عليه متلبسا  بأخذ رشوة قدرها عشرة ريالات نظير تخليص معاملة لزبون. هذه الجهات الرسمية تدعو المجتمع ان يبلغ عن الفساد , في حين أن المجتمع  يشعر بأنه ضحية للفساد , الاشكالية هنا كما أراها تتعلق بتعريف الفساد ذاته, ومدى سماح ثقافة المجتمع لجزء منه  في ممارسته  تراتيبيا  دون حرج الى الوصول الى  من  يقدمون ضحايا أو قرابين لتستمر ثنائية الالهة والقرابين, هذا من جانب , من جانب آخر,شعار ليس هناك مجتمع خال من الفساد شعار جميل وصحيح , لكن  على أي وجه يُحمل , على وجه التبرير, أم على وجة  الاصرار والتغيير؟هل مكافحة الفساد عمل ديني واخلاقي , أم يمكن الفصل بينهما  فيما يتعلق بالاخلاق , عبر تاريخ الدولة السلطانية في عالمنا العربي رأينا تحالفنا بين السلطة والفقهاء ممايبرر لها كثير من الممارسات التي فيها بين قوسين"شبهة" ولاتزال دولنا تستعين بالفقهاء لتبرير  وجوده وبعض ممارساتها  له ففي ثقافتنا  ضعف فيما يتعلق  بمبحث الاخلاق حيث يجوز للقوي ما لايجوز للضعيف اخلاقيا وللغني مالا يجوز للفقير ماليا ....الخ,وفي دراسات  أجرتها الدكتور أسيل العوضي من الكويت  وجدت كثير من الطلبة يشيرون إلا أنهم سيغشون في الامتحان إذا أمكنهم ذلك مع أنهم  يدعون التدين ووصفوا هذا التصرف بأنه"عادي". هنا الاشكال الذي نعاني منه.

فالموظف متى ما أتيحت له الفرصة للسرقه سيسرق, والمدير متى ما أتيحت له الفرصة لأخذ العمولات سيأخذها , مع قيامهم بجميع متطلبات الدين التعبديه.   الفساد ليس مجرد السرقة المادية هذا شكل مبسط جدا منه مهما كان المبلغ ضخما , الفساد هو أن تُجير الدين  لكسر قاعدة أخلاقية , فالسرقة عمل لاأخلاقي , قبل أن تكون محرمة دينيا, تستطيع أن تفك حرمتها الدينية لكن لايمكنك أن تبررها أخلاقيا  حتى في زمن الجوع , عندما يبرر شيخ الدين للسلطة ممارسة ما  تحقيقا لرغبتها فقط بالرغم من ادراكه لعدم جوازها او بإضرارها  فقد كسر قاعدة أخلاقية  لذلك كان سقراط واعيا  لهذه القاعدة الاخلاقية حينما وفر له طلبته فرصة  للنجاة والهرب من الاعدام بشرب السم الذي ينتظرة في الصباح, وقد أتهم بتخريب عقول الشباب وإفسادهم, قائلا إذا هربت  فهذا إعتراف بالتهمة وبأنني فعلا مفسدا لعقولكم, وتجرع السم  راضيا. هذا هو الموقف الاخلاقي .لاوجود له اليوم في مجتمعاتنا العربية والاسلامية الا فيما ندر أو فيما يتعلق بالحروب الطائفية  وهي حروب لاأخلاقيه من الاساس.

أنا أعتقد أن علاقتنامع الفساد في مجتمعنا هي في إعتباره محرم  دينيا , جائز أخلاقيا,فأوجدنا سبلا للتبرير دينيا  واغفلنا الجانب الاخلاقي الانساني في ظل غياب  الطلب المجتمعي الفعال , ولا أعني هنا فقط بالدين "النص" لكن شكل الدولة  عبر التاريخ الذي أضفى عليها طابعا من القداسة . ندرس اجيالنا الدين  ونعظهم بأن لايسرقوا ولايختلسوا , ولكن لانضرب لهم أمثلة  ولا نعطيهم قدوة سوى بإجترار الماضي الاسطوري,  بينما في حاضرنا اليوم أمثلة راقيه لشخصيات عالميه غير مسلمة  في المحاسبة والشفافية  والتضحية, تنبه ديدرو فيلسوف الثورة الفرنسية  لثنائية استغلال السلطة للدين والدين للسلطة حين رفع شعار "شنق آخر ملك بمصران آخر قسيس"خروجا  عن استغلال االسياسة للدين وعودة للأخلاق الانسانية كمبحث خاص

إذا أردنا محاربة الفساد  فعلينا بتدريس  فلسفة الاخلاق كمادة منفصلة تماما عن الدين, لأننا لانستطيع أن نضمن التدين  ولكن يمكن أن نضمن الاخلاق مع الاختلاف ,سواء إختلاف المذاهب الدينية  داخل الدين الواحد أو مع الاخر المختلف دينيا  أو حتى مع من لادين له لأن الانسان في الاخير هو الانسان . مكافحة الفساد مسؤولية وزارة التربية بالدرجة الاولى  لايكفي إقامة أجهزة فوقية  بيروقراطية لاتملك سوى البوسترات, ولايمكن لوزارة الاوقاف عن طريق المنابر أن تُحدث أثرا وحدها التربية  التي ستنشء عقولا تفصل بين الاخلاق وبين  من يبرر لتجاوزها دينيا أو إجتماعيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق