الخميس، 31 مارس 2016

الواقعية الإيجابية: تغيير الواقع لا الركون إليه

 

 

  

 
الواقعية ليست فقط ايجاد السياسات والاساليب المتفقة مع الواقع وفرضياته، ربما تكون هذه مرحلة فقط، ولكن لا يجوز ان تستمر الى ما لا نهاية عندما يكون هذا الواقع مجحفا ولا يتناسب مع قدرات وإمكانيات من يعايشه، وبالتالي تصبح الواقعية هي تماما العمل على تغييره وإيجاد السبل الكفيلة واللازمة باستنهاض الهمة والارادة لمن يعايشه ان يكابده سواء كان شخصا او وطنا او أمة بأكملها. الخلط الذي يمارسه العديد منا هو في التركيز على الجانب الاول وهو ضرورة ايجاد من السياسات ما يتناسب مع الواقع وعدم القفز عليه والاستكانة لذلك الى ما لا نهاية وإغفال دور الواقعية الايجابي في العمل على تغييره ببناء الارادة والعزيمة الضروريتين، لذلك ما نشهده اليوم على الساحة العربية من صراع سياسي بين أطراف السلطة العربية في كل مكان يتمثل في ما بين من يدعي الواقعية وبين من يرفض الواقع بعيدا عن كل منهجية علمية لتغييره. الطرفان تنقصهما نصف الحقيقة، فالطرف الاول الذي يدعي الواقعية ينقصه تحديد فترة او مدى لإيجاد واقعية اخرى تتفق وطاقات وطموحات الأمة، والطرف الآخر الذي يرفضها تنقصه المنهجية العلمية لبناء واقع جديد. لذلك نرى هشاشة الوضع العربي الراهن وسهولة تبرير العجز والاستسلام وبأننا لا نملك القوة لمواجهة مخططات الغير ولو أتت على بيوتنا وحرماتنا، بينما الطرف الآخر الرافض لتقديم البدائل المتاحة والضرورية لمواجهة ذلك والاكتفاء بالتنظير والأدلجة. طبعا مأساة بهذا الحجم لا بد من استراتيجية واضحة وشاملة لمواجهتها، ولا بد من شعور جميع الاطراف بسمؤوليتها وبمصيرها المشترك نحو ذلك. ولا بد كذلك من إدراك ضرورة تقريب المواقف وتحريك الارض تحت جانبي السلطة والشعوب كبداية لالتقاء المصالح واستثمار المصير المشترك. فالواقعية هي نغمة السلطة العربية المفضلة من المحيط الى الخليج ورفض الواقع المهين، وهدر الكرامة هو ديدن الشعوب من المحيط الى الخليج كذلك، فهل من طريقة ممكنة للدمج بين الطرفين بمعنى ان تصبح الواقعية الحقيقية لدى أطراف السلطة العربية في تغيير الواقع المهين وحفظ الكرامة للداخل أولا قبل فرضها على الخارج؟ هل من طريقة لتشابك المصالح بين الطرفين؟ مثل هذه الاسئلة أراها ضرورية قبل التحدث عن اية إصلاحات ديموقراطية تختارها السلطة حسب مقاساتها وبعيدا عن الاحساس الفعلي بأهمية المواطن. فهي في أحسنها لا تتعدى اسلوب المكرمة الذي حوى كل شيء ما عدا الماء والهواء. ان مفهوما جديدا لا بد من تأسيسه اذا ما أردنا لهذا الواقع المزري ان يتغير وهو مفهوم الشراكة الحقيقية القائم على المصلحة المشتركة والمصير المشترك لكلا الطرفين. اما الاستكانة بتبرير العجز بالواقعية الى ما لا نهاية فهو دعوة واضحة الى استمرار التطرف بأشكاله المختلفة والخروج عن منهجية العمل المنظم لإخراج الامة من مأزقها في جميع الاتجاهات، بل تكريس لسلطة الغير على مقدراتها واستلاب أنظمتها وتغيير قادتها متى تطلب الامر ذلك وتحت اي شعار يرفعه ذلك الغير. لذلك يجب الادراك بعناية ان الانفصام بين جانبي السلطة والشعب هو فيروس لقتل الطرفين قد يتقدم أحدهما قبل الآخر ولكن النهاية واحدة لكليهما، ولنا في شواهد التاريخ عبرة لأولي الألباب والبصائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق