الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

حول إصلاح الغائب قبل حضوره


-في الثمانينات دعى نادي الجسره الدكتور سعد الدين إبراهيم لإلقاء محاضرة عن 'أزمة الديمقراطية في العالم العربي'. ووضع لافتة كبيرة فو ق المنصة وفي أول كلمة للدكتور سعد الدين حول الموضوع، قال ليست هناك أصلا أزمة لأنه ليست هناك من الاساس ديمقراطية، في إشارة إلى عدم جدوى العنوان، لذلك قد نريد نفي شيء وهو غير موجود أصلا فنعمل على إثباته دونما شعور.. يمكن الكلام عن أزمة الديمقراطية في الغرب مثلا بعد ان تعددت مسمياتها واشكالها وأنماطها، بالامكان البحث عن مأزق الحريات في تلك المجتمعات، وإلى أين أوصلتها تلك الحريات غير المنضبطه، يمكن الحديث عن الشفافية في دول البرلمانات الديمقراطية، وكيف يمكن الالتفاف عليها لتحقيق أغراض سياسية لحزب معين أو لحكومة معينة.
إذا لم يوجد الشيء لا يمكن الحديث عن أزمته أو عن وجوده. في عالمنا العربي أعتقد أنه بالامكان الحديث عن الغياب أكثر منه عن الحضور، ماذا يعني غياب الحريات، ماهي نتيجة غياب الشفافية؟ ما آثار غياب الديمقراطية.. الخ، ولي هنا بعض الملاحظات.
أولا: الكلام حول أزمة الحضور تختلف تماما عن الكلام حول أزمة الغياب، في الحضور هناك ثمة إنجاز، ولكن في الغياب هناك فضاء وسلبية.
ثانيا: يشترك طرفا المعادلة 'النظام والشعب' سواء في إنجاز الحضور أو في إثبات الغياب، بمعنى إذا كانت الديمقراطية حاضرة في منجز مشترك أو الحريات أو الشفافية..الخ، وإذا لم تكن كذلك فهي سلبية مشتركة ساهم الطرفان في خلقها.
ثالثا: الحضور 'حضور المنجز يتطلب الاصلاح' بينما غياب المنجز، سواء حريات أو شفافية أو عدالة يتطلب إيجاده وهو طريق آخر أكثر صعوبة.
رابعا: الثورات العربية أو الربيع العربي الحالي هو محاولة لإيجاد الغائب وليس لإصلاح الموجود، رغم تعثر البعض، لا يمكن المناداة بإصلاح الغائب قبل حضوره.
خامسا: في خليجنا ليس هناك حضور لقيم الديمقراطية ولا لإجراءاتها سوى في الكويت مع ما تعانيه من حضور أقرب الى الغياب فلذلك يمكن الكلام هناك عن أزمة إنتخابات لوجود الانتخابات، يمكن الحديث عن عدم أزمة شفافية لوجود ديوان محاسبة معين من البرلمان ويتبع رئيسه. هنا كذلك يمكن لمفهوم الاصلاح أن يعمل.
سادسا: الحديث عن أزمة أو آثار غياب قيم الديمقراطية من قيم وإجراءات، حديث عما هو 'معلوم من الدين بالضروره' لأن الغياب واضح، لا يحتاج المواطن الخليجي الآخر لدليل أو لبحث يثبت له أن الحريات غائبة مثلا أو أن الشفافية معدومة وهو يرى آثار ذلك عيانا يوميا.
سابعا: حديث صاحب الشأن أو المعنى أو الطرف الآخر من معادلة 'الحياة الانسانية الكريمة' عن غيابها أو عدم وجودها قد يدينه على نفس منوال الطرف الأول وما الذي قدمه وهل سعى لتحقيق ذلك بالاداة والاسلوب المناسب.
ثامنا: معظم تراثنا الثقافي الخليجي والعربي هو تشخيصي لأمور واضحة لا تحتاج الى تشخيص، غياب الديمقراطية،غياب الحياة البرلمانية، عدم وجود الشفافية،عدم استقلال القضاء، هذه شموس لا تحتاج الى إشاره. نشعر كمشخصين براحة جراء التشخيص وإعادة التشخيص ولا ندرك أن استمرارنا في تكرار وإعادة ذلك تأكيدا على هذا الغياب وبأنه القاعدة وليس الاستثناء.
تاسعا: نحتاج الى ثقافة أخرى لا تخلط بين الهدف وأسلوب تحقيقه، ولا بين إصلاح الغائب وبين ا التأكد من حضوره أولا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق