الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

الفن "وعدٌ بالحقيقة"



في إعتقادي أن الفنان أهم من السياسي   , وأن المثقف أهم من الوزير في الأزمات, لأن الفن  والثقافة عموما حالة صدق  أو من المفترض أن تكون كذلك , في حين أن السياسة  حالة ظَرف. الفن والثقافة هما الوسط  الانساني الضروري  الذي يجب أن يُترك دونما تدخل من الجانب السياسي  ليبقى الباب مفتوحا للعودة  الى الحالة الطبيعية بعد إختفاء الظَرف. كم من الشعوب خرجت من أزماتها  عن طريق  وجود الثقافة كحالة مستقلة داخل المجتمع مع إنها إنعكاسا لواقعه الاجتماعي , كم من الشعوب وجدت حلولا لأزماتها مع الاخر عن طريق الواقع الثقافي والفني الحر والمستقل الذي كانت تعيشه تلك الشعوب ,  عندما يجد السياسي مأزقا يلجأ الى المثقف ليأخذ منه وليستمع الى رأيه , لذلك بقاء الثقافة والفن بمعزل عن  الازمات السياسية ضمانٌ للمجتمع, لم تهمني تصريحات الجبير  ولا العتيبة بقدر ما آلمني  تجييش الفنانين للغناء ضد قطر ليس لأن في ذلك إلحقا لقا لضرر مادي بها , بقدر ماهو مصادرة لمشاعر المجتمع  وتسليع للإبداع فيه, كنت دائما على إيمان بان الفن هو طريقنا  نحن الشعوب في مواجهة  الاستبداد والطغيان , كنت دائما على إيمان بأن الفن هو مايجمع شعوبنا من المحيط الى الخليج وليس السياسة, وقف سارتر ضد استعمار فرنسا للجزائر  , ووقفت جين فوندا ضد حرب فيتنام , الفن مؤثر جدا عندما  يكون مستقلا  وحرا , إذا قبضت الدولة على الفن فأعلم بأن المصير أسود  لأنك اقفلت الطريق أمام الخيال  وعاشت الواقع الضيق بكل تفاصيله ,  لذلك نرى الانظمة التي صادرت حق الفنان وعملت على تجييرة زالت في طريقها الى الزوال , إلتحق  الفيلسوف هايدغر بالنظام النازي أيام هتلر  مسايرة لوضعه كأستاذ ومدير للجامعة  فخسر سمعته على الرغم من تفردة المذهل  بخطة الوجودي والذي نهل منه الكثير بعده ,  ووقف دريد لحام    في صف طاغية دمشق الامر الذي أفقده  مكانته لدى الشعب العربي, وكان صدام حسين بعد غزوه للكويت يبحث عن فنانيها ومثقفيها  إدراكا منه لأهمية الفن كحامل وكلاحم  يجمع  أجزاء المجتمع, لذلك تسير مجتمعات الاستبداد الى حيث حتفها  عندما  تصادر حق المجتمع في التعبير عن ذاته  فنيا وثقافيا , الانجاز الكبير للمجتمعات الغربية  أنها أوجدت مساحة بين النظام السياسي  وحركة المجتمع الثقافية والفنية, إيمانا منها بأن ذلك في صالح المجتمع  وفي صالح النظام أيضا  لتعديل مساراته  وإيجاد الحلول ,لماذا الفن  ودور الفنان مهما جدا في الازمات  لأنه "يقول ما كان يُخفية المجتمع " في الايام الرتيبة. اليوم أنا أكثر تشاؤما من ذي قبل بالنسبة لأزمة الحصار الجائر , لأن السلطات في دول الجوار  قد عملت على إلحاق الوسط الفني والثقافي  بقرارات السياسي بشكل فج لذلك أوصدت جميع النوافذ لدخول هواء نقي  يمكن أن يُمثل  أملا وتراجعا للسياسي عن غيه وصلافته. لم يعد  بإمكان هذه الشعوب أن ترى الفرق بين القبح والجمال فلقد جرت عملية مصادرة  واضحة  للذوق العام لديها  عن طريق تسليع الفن  والفنانين لم يعد محمد عبده  وعبدالمجيد عبدالله يعنيان أكثر من سلعة تشتريها من أقرب سوبر ماركت.لم يعد يعني شعر "دايم السيف" سيفا ولاديمومة بعد  أن أصبح بضاعة رخيصة  تحركها أهواء السياسة وطمع الاستحواذ والشعور بالعظمة. الاشكالية الكبرى في إستحواذ السياسي على الثقافي داخل المجتمع يتمثل في أنه يقطع طريق التفاعل  الحقيقي  بين  التناقضات  والاختلافات داخل المجتمع من أن تكون مصدرا  الى فكر جديدا  ينهض من بين أنقاض هذة التناقضات والاختلافات , وفي هذا إضرار للمجتمع  وقتل لتطوره  وتأبيدٌ للوضع الراهن.

لقد قتلتم بفعلكم هذا  الفن  ك "وعد بالحقيقة " والبحث عنها  وفرضتم  حقيقة واحدة أنكم أجبن من أن تستمعون  الى حقيقة ما تمليه عليكم ضمائركم إذا كانت هناك لاتزال لديكم ضمائر على قيد الحياة, إن الفن ياسادة يعكس ذات الانسان وتاريخه  بشكل أصدق من جميع الروايات والقصص والوثائق التي تبنون عليها  مجدكم وتاريخكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق