برحيل الاخ العزيز محمد بن خليفة بن عبدالله العطية , تفقد قطر إبناً باراً وأديباً وشاعراً من طراز فريد , فهو مجيد في الفصحى كإجادته في العامية هذا ما يتفق عليه الجميع , إلا أنني لمست فيه جانباً آخر وهو الجانب الإنساني أو اللوحة الخلفية لهذة الصورة الابداعية الظاهرة للناس ,المتمثلة في ذلك الايمان المتمكن من النفس الى درجة الرضا والقبول بكل من تأتي به الحياة من أقدار كتبها الله وقدر على الانسان أن يخوض غمارها , زرته قبل عامين تقريباً في مكان إقامته في لندن حيث كان يتعالج من المرض , وجدته جالساً برفقة بعض من أبناء عمومته الكرام وبعض الاخوة , فأستقبلني إستقبالاً بإبتسامة لازلت أذكر ملامحها حتى هذه اللحظة , وحين سألته عن حاله ,قال لي بالحرف الواحد : والله يابومحمد لاأعد ما أصابني سوى زكام ؟ رغم فداحة المرض يقول لاأعتبره سوى مجرد زكام أو نشلة برد ,هزني هذا التعبير , أيقظني من سبات الخوف والشك الذي يداهم الانسان بين حين وآخر حين يتقدم به العمر وحين يعظم الأمور وينسى "والله من وراءهم محيط" , وبدأ يسرد علي ذكرياته مع والده الكريم خليفة بن عبدالله العطية أثناء رحلة علاج الوالد في الولايات المتحدة وكم كان والده كذلك شديد الايمان بالله والثقة فيه رغم مرضه العضال,رغم كل المؤشرات الطبية السلبية, وكم كان مبتسماً وراضياً بما قسمه الله له, ودعته على أمل اللقاء به , وعاد الى الدوحة بعد ذلك وأتصلت به مهنئاً بسلامة الوصول ومتنياً له الصحة والعافية, وفي حفل زواج إبنه قبل أقل من عام مضى , بعث لي بدعوة ثم بمكالمة تلفونية يحرصني على الحضور لمشاركته في فرحته بإبنه , وبالفعل كنت حريصاً على تحقيق ذلك , كان مبتسماً كالعادة , فرحاً بالناس قبل فرحته بإبنه في زواجه , لطيفاً , يختار كلماته بعناية فائقة ليشرح بها صدور المتلقين والضيوف, خسارته كإنسان قبل كل شىء آخر تعادل بل تزيد خسارة الوطن له كسلاح استراتيجي ناعم للدفاع عن قضايا الوطن وقيادتة الكريمة, عندما يكون المرض العضال مجرد زكام تكون الروح قد سمت على آلام الجسد وأتصلت بما هو أعلى وأسمى من الوجود المادي الى وجود سرمدى لايفنى ولايتحول, الفقيد قصة إيمان قبل أن يكون أيقونة أدب وشعر وثقافة تفخر قطر بإنجابها , رحم الله أبا عبدالرحمن وأسكنه الجنة يتبؤا فيها حيث يشاء , والهمه أهله وذويه وعموم عائلة العطية الكرام الصبر والسلوان وإنا الى ربنا لراجعون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق