الأحد، 11 يناير 2015

معرض الكتاب : حضور الموظف وغياب المثقف



الثقافه اذا اختزلت في وزاره , اصبحت وظيفه, واصبحت جميع نشاطاتها ليست في خلق "المثقف" ولكن إيجاد الموظف الملتزم بالنسق القائم والثقافه السائده. ولي هنا بعض الملاحظات:
أولا: تواجدت في معرض الكتاب الحالى خلال ايامه الثلاث الأولى, ولاحظت من خلال السؤال , أن معظم القادمين هم موظفي ثقافه وليسوا"مثقفين" بمعنى انهم مثقفى انساق قائمه وموروثه , وليس مثقفي بحث خارج هذا الانساق , فالمثقف الديني , قادم لشراء كتب معينه , تزيد من يقينه, ومثقف القبيله قادم لشراء كتب تؤكد من هويته ونقاءه.
ثانيا: الثقافه في اعتقادي لا يجب أن تكون وزاره أو أن يكون لها وزير , لأنه يرمز للسلطه , و الثقافه الحقيقيه والمثقف الحقيقي خارج اسوار السلطه , والثقافه فضاء عام فهي تحتاج فقط الى جهاز تنظيمي ويبقى افقها مفتوح في المجتمع , لان الفعل الثقافي لاسقف له .
ثالثا: التعدى على الاديان او الاشخاص ليس ثقافه , هو وظيفه ايديولوجيه , فلا يجب الخلط بين الثقافه والاساءه الى الاخر سواء كان دينا او شخصا وبين النقد , تستفيد الوزاره من هذا الخلط لتثبت وجودها سياسيا على حساب وجودها المعنوي.
رابعا : الثقافه تخلق المجال العام الذي ينطلق منه الرأي العام , لذلك فمقياس وجود الثقافه في المجتمع هو وجود المجال العام , لكن الوزاره بطبيعتها الوظيفيه لاتستطيع القيام بذلك فهي احد اجهزة الحكومه , والحكومه لايمكنها خلق ثقافه , فهي جهاز اجرائي تنفيذي لاغير.
خامسا: فكرة المجلس الوطنى كانت أقرب الى الثقافه , بودي لو عمل على تطويرها بما يتناسب مع انفتاح دولة قطر ونموها السريع في كافة المجالات.
سادسا: قد نلتمس العذر للوزاره في منع كاتبه او روائيه بدعوى سياسيه أو ايديولوجيه , مع أنني ضد ذلك لان الفكر لايواجه الا بالفكر, والثقافه بطبيعتها حاله من الصيروره , فتجد مثلا ماركسيا سابقا , يدعى لمؤتمر في العقيده الاسلاميه ليحاضر بعد تحوله الثقافي ,ولكن ان تمنع الوزاره كتبا او رواية لكتاب او روائيات قطريات , فهذا خلط حتى بين دورها الحمائي وبين البحث عن المثقف الحقيقي الذي يقول مايراه ويعتقده لا المثقف المعلب الذي تريده الوزاره من خلال هذا المنع, وقدإطلع الجمهور على هذه الكتب وتلك الروايات من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي وغيرها فلم يجد الا مايتفق مع دور قطر المتسع للرأي والرأي الاخر.
سابعا: لايمكن ان يكون هناك دور للمثقف في ظل وجود وزير للثقافه , لمايعنيه من رمزيه" للثقافه" ولا اتكلم هنا بصفه شخصيه" ولكن بتجريد تام , فهو برمزيته يستطيع أن يقبض على المثقف أو أن يلغي دوره او يصادره, كما يتم الآن, بينما ديغول في عز مظاهرات الشباب 68 عندما دعي للقبض على "سارتر" المتواجد في الصف الاول منها : قال: لااستطيع أن أقبض على فولتير إنه فرنسا.
ثامنا: الثقافه التي تطور المجتمع هي الثقافه الخارجه والناقده ل انساق المجتمع ذاته, بشرط التفاعل معها ثقافيا , وعدم صدها ومقاومتها ومنعها لتتخذ أشكالا اخرى عنفيه.
تاسعا: في الدول المتقدمه ياتون باصحاب الاتجاهات الجديده في مجتمعاتهم لمثل هذه المناسبات والتي قد لاتتقبلها مجتمعاتهم الاصليه في بدايتها, فالتفكيكيه على سبيل المثال انتشرت في امريكا اولا أكثر منها في موطنها فرنسا , ومدرسة فرانكفورت النقديه احتضنتها امريكا بعد هروب اصحابها من المانيا خوفا من البطش , لتعود هذه المدارس وتنشر وتسود في بيئاتها الاصليه بعد ذلك.
عاشرأ : إذا اردنا ان نجعل من معرض الكتاب ظاهره ثقافيه تدفع باتجاه تطور المجتمع علينا تحريره أولا من صفته الرسميه الحكوميه وفتح المجال للمختلف قبل المتسق , هذا اذا اردنا ان نكسب الثقافه , أما اذا اردنا فقط ارقام المبيعات, فعلينا كما نقوم حاليا بإغراء المجتمع بمزيد من التأكيدات على حصانته ونقاءه وطوبائيته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق