الاثنين، 2 مارس 2015

محمد بن خالد الخاطر


ليس لأنك والدي , ولكن لأنك كنت ترى الدنيا بمنظار الآتي والمئال وليس بمنظار اللحظة والحال,ليس لأنني إبنك ولكن لأنني كنت
ألحظ مسحة من الحزن لاتفارق محياك والفرح يحيط بك من كل جانب , لم تفتنك الدنيا وهي مقبله ,لذلك لم تكن تأسف عليها حين تدبر,
كان قلبك معلقا بنور سرمدي يأتي من بعيد لايراه سوى المتقين, يهفو قلبك الى المساجد في كل بلد تزورها , ويرنو بصرك دائما الى جمال
الروح في الانسان مهما كان وضعه ومنصبه ,كانت الحكمة ضالتك في كل قول وعمل,عندما يُذكر الموت ,تنشد قائلا:
لكل إجتماع من خليلين فرقةُ....... ولو بينهم قد طاب عيشُ ومشربُ. وعندما تُذكر الدنيا تردد:
زيادة المرء في دنياه نقصانُ...... وربحه غير محض الخير خسرانُ.
سبقت عصرك فقرأت أمهات الكتب في الشعر العربي , من كان في ذلك الوقت المبكر في ستينيات القرن المنصرم ومن ذلك الجيل القديم يملكُ مكتبة في
مجلسه , نزهة الأبصار ثلاثة اجزاء كبيره للشيخ إبن درهم وديوان إبن عثيمين والبهاء زهير والمتنبىء .لذلك كنت مرجعا لأهل
الريان , ومعرفا ومرجعا للدوله حول أحوال المقيمين وغيرهم من القادمين الجدد في ذلك الوقت المبكر من تاريخ دولتنا , كانت شهادتك
كافيه بأن تمنح الجنسيه لقادم قد سكن أهله قطر , يلجأ اليك المسؤولون في ذلك الوقت للتعريف بمن سكن قطر والريان بالذات,
في أواخر الستينيات على ما أذكر كانت هناك رغبة للدوله في انشاء مجلس شورى منتخب وأشار سمو الامير الأب الشيخ خليفه بن
حمد الذي كان ايامها وليا للعهد الى والدي بالترشح , وما أن ابديت ذلك علانية حتى أتت الأفواج من اهل الريان تزكي وتبارك هذا
الترشيح على اختلاف مشاربهم لما عرفوا عنك حسن خلق ودين وإيثار, ورغم ذلك المشروع لم يكتمل إلا انه كان يعطي مؤشرا
واضحا لمكانتك, عندما يغيب إمام المسجد تُقدم لتؤم الناس , ليس فقط في مسجد الفريج حتى في مسجد الأمير الأب حفظه الله.آمنت
بالعلم والتعليم للجنسين دون استثناء باكرا سابقا جيلك ومحيطك في ذلك الوقت المبكر. عندما عرضت عليك الوظيفه مشرفا عاما
في وزارة الصحة التي كانت تسمى دائرة الصحه العامه قبل الاستقلال أحبك الجميع بلاـإستثناء , المدراء الاجانب قبل الموظفون ابناء
الوطن , كنت تُصلح البين , وتحلُ الخلافات وتفاوض المحتجين والمضربين عن العمل لسبب أو لآخر. لم تكن قاسيا في تربيتنا , ولكن
كنت تلقي الكلمه التي تؤثر في النفس بحيث لايمكن للأبناء نسيانها , كلماتك لاتزال تعايش أذهاننا ما حيينا , كنت تؤمن بالكلمه وسحرها
, لأنك تنهل من كتاب الكلمه المنزله "القرآن الكريم " تؤمن وتكرر دائما بأن صلاح الآباء يُدرك الأبناء, كنت تؤمن بأن بريق هذه
الدنيا يخطف فقط أبصار الناظرين اليه وليس الى ماوراءه , يعرض عليك الشيخ جاسم بن علي بن عبدالله شيخ الريان في ذلك الوقت
الانتقال معه الى "المعيذر" وأخذ ماتريد من الأرض مساحة طولا وعرضا , لكنك تفضل البقاء مع جيرانك ومنهم حولك من أهل
الريان, لم تكن الدنيا تمثل مشكلة لديك , حتى في مرضك الأخير كنت أراك تنظر بعيدا وكأنك ترى شيئا لانراه , حتى حين فقدت
الكلام , كانت تعابيرك تتكلم وكانك تقول لنا , هذه هي الدنيا فأستعدوا الى مابعدها , عندما كان الجميع يزورك وانت على فراش
المرض كانوا يرددون لاتخافوا عليه لأن من أحبه الناس احبه الله. في رمضان كان يجلس أمام الافطار ويدعوا الجميع بما فيهم
الخدم"الصبيان" للإفطار معه, بعد وفاته أحس بفقده الجميع حتى من كان لايعرفه فقد سمع عنه, الكبار قبل الصغار , الحكام قبل
المحكومين فقد عاصرهم جميعا "وخاواهم" جميعا في سفر أو حج أو مقناص ولا زالت أذكر كلمات الشيخ ناصر بن حمد رحمه الله
في لحظة العزاء حين قال :"أنا أولى بالتعزية في ابوخالد منكم"
لم أسمعه قط يتكلم في أحد الا بخير , عندما أسأله عن أحد يظهر محاسنه , لم أسمعه يغتاب أحدا مطلقا , يعود احيانا خائب الظن ,أرى ذلك في سحنات وجهه , لكن لسانه لايتفوه بكلمه والدي العزيز:
لم تأخذك سنَةُ ولانوم وأنت تؤدي واجباتك لله ربك , لم تأخذك سنَةٌ ولانوم وانت تقوم بما يملية ضميرك وإيمانك أمام مجتمعك,لم تأخذك سنَةٌ ولانوم
وأنت تقوم بمايفرضه الدين والاخلاق أمام أسرتك وعائلتك وأقربائك
لم تأخذك سنَةٌ ولانوم حين كان قلبك يهفو الى مكة المكرمة كل عاما مرات عديده , لم تأخذك سنَةٌ ولانوم حين كنت تودع المسجد الحرام
في رحلتك الاخيره الى الاراضي المقدسه وكنت بجانبك استمع لدعائك لأهلك ولبلدك ولشباب المسلمين ولحكام المسلمين بالهدايه, لم
تكن تخاف الدنيا بقدر خوفك من الافتتان بها والشغوف ببريقها الخادع , كم كان بصرك حديدا , وكم كان قلبك رقيقا بالإيمان والثقة بالله
رحمك الله ياوالدي وأورثك الجنة تتبؤأ منها حيث تشاء جزاء لما أسلفت في الايام الخاليه


هناك تعليق واحد:

  1. الله يرحمه ويغمد روحه الجنة ويرزقه الفردوس الأعلى
    والله اشتقنا لك يا الغالي وذكرتنا بأيام الدراسة والزمن الجميل في القاهرة.

    الله يسعدك ويسعد أيامك ويعطيك الصحةوالعافية وطول العمر

    ردحذف