الأحد، 14 يناير 2018

قراءة في تحولات الشخصية والمجتمع


 الهدف من هذا المقال مجرد رصد التحولات  , فهو مقال  لايحمل أي صفة أخرى  شخصية أو أيديولوجية , 

التغيرات التي لحقت بالشخصيه القطريه في العقود الثلاث او الاربع الماضيه حتى ما قبل الحصار تقريباً نتيجة لعوامل سياسيه واقتصاديه  أثرت على منطلقاتها الاساسيه   من قيم ونظرة للكون وللدين  الأمر الذي جعل من هذه المنطلقات والمبادىء والقيم تأخذ شكلا وظيفيا جديدا براجماتيا الى حد كبير  ينشر بالتالي  بقع  وجزر  متناثره  من وحده نفسيه واحده كانت متماسكه الى حد كبير. وسأعدد هنا بعض ملامح هذه الشخصيه القطريه والتحولات التي جرت عليها  نتيجة نمو الدوله بعيدا عن تأثيراتها  فبدلا من أن تكون مؤثره في ذلك أصبحت مجرد رد فعل وإنعكاس لتمظهرات الدوله وسياساتها .

أولا: شخصيه متدينة وسطياً وفطرياً: عرفنا في قطر الاسلام ولم نعرف الاسلامويه  الامؤخرا , اجيالنا السابقه حتى التسعينيات من القرن المنصرم  لم تكن تعرف شيئا عن الاسلام السياسي كما يسمونه  رغم تأثر المحيط  الخليجي به , مصطلح التكفير لم يروج ولم نسمع به الامؤخرا , ليس هناك كافر واحد في قطر يمكن اتهامه مباشرة  أو يتجرأ أن يحكم عليه بذلك , اليوم هناك مرشحون أو يحوم حولهم الترشيح , عند النشء الجديد الذين نزعوا الى الاسلمه وهم اصلا مسلمون.

ثانيا: شخصيه بدوية -حضرية  جرت بدونتها : أهل قطر جميعا تقريبا بدو وحضر في آن واحد , جرى تغليب القيم الثقافيه للبدواه   كالانتهازيه وتغليب الغنيمه على حساب القيم المشتركه    وادى النفط الى  تكريس ظهور البداوه الريعيه بشكل اكثر مما كان موجودا في السابق ويظهر هذا التكريس بوضوح في الاحتفالات في العيد الوطني الذي تهدف منه الدوله اظهار التلاحم بينما  البدونه الريعيه  تحوله الى مجال تنافس قبلي.

ثالثا:شخصيه منفتحه تمت نرجسيتها:تحب بشده وتكره بشده, ضاقت مساحة التسامح بين أجزائها كما كان  في السابق, غلبة "الانا" القبليه على أنا المجتمع أو الأنا المجتمعية , وتتغلب الأنا الفرديه على الأنا القبليه عند الاقتراب من الغنيمه.

رابعا:شخصيه تحمل ذاكره عامه  جرت عملية طمس معالمها: القطرى اساسا يحمل ذاكرة عامه لإرتباط المكان بالزمان , أن يغيب الزمان ويتغير فهذا أمر طبيعي لكن أن يختفي المكان  ويطمس ويزال , أمر يُشقي الذاكره فتنكفىء الى فرديتها  وتعيش خوفا مصطنعا  من الاندثار لأن المكان  ذاكرة تستمر وتبقي معها الاجيال  , يصاب المجتمع في صحته النفسيه اذا انفصل المكان وتبقى منه ذكرى تشقى به الذاكره وهذا ما عانى منه سكان هيروشيما وناجازاكي  بعد اسقاط القنبلتين الذرتين عليهما حتى ان عدد الوفيات من زوال المكان قارب ان يعادل عدد ضحايا القنبلتين .

خامسا: شخصيه اجتماعيه بالفطره  نظرة لسعة أفق العلاقات الافقية بين بعضها البعض في السابق جرى  تحويلها الى شخصيه انتفاعيه نظراً لتغير نمط العلاقة في المجتمع من النمط الافقي الى النمط الرأسي  نتيجة لسياسات الريع وغلبة الجانب المادي المصاحب له على الجانب الاجتماعي الانساني  الذي كان يُميز المجتمع سابقاً

سادسا:شخصيه انتاجيه جرى تفريغها بفعل الريع وعن طريق جذبها للنشاطات اريعيه التي تؤبد ريعيتها والحاقها به كسباقات الهجن وجوائز مسابقات الطيور وحلال اهل قطر والمزايين وغيرهم مما يتكشف عنه العقل الريعي سنويا.

سابعا: شخصيه تحتقر أو بالاحرى لاتقدر قيمة العمل اليدوي مهما حاولت الدوله ان تحض عليه  وذلك يعود للنظره الاجتماعيه التي لاتزال متأصله في العقل الجمعي , واعتقد ذلك يرجع للتضارب بين  الواقع الذي يراه الشاب  وبين المثال الذي يُطرح أمامه للإلتحاق به.

ثامنا:شخصيه مستعجله وملوله: تريد التغيير بسرعه هكذا دون المرور  بتعرجاته  الطويله واستحقاقاته المطلوبه  ويظهر ذلك بوضوح عند المثقفين بصوره واضحه , يريدون التغيير  بقراءة مقال أو بمحاضرة عن الديمقراطيه أو بكتاب عن التحول الديمقراطي.

تاسعا: شخصيه فيها كرم فطري  انشطرت بعد ظهور النفط الى  جزئين , جزء  أدى الريع إلى إقتارها وجزء آخر ادى الريع الى  أن تهب وتعطي أكثر  وهنا أيضا تبدو مفارقه  بين من يصله الريع وبين من يمتلك الريع , وكلاهما يقعان اجتماعيا ضمن دائرة الايجابيه والقبول , فمن يصله الريع ويعطي فهو كريم , ومن يمتلك الريع ويهب , فهو يأخذ ليعطي  أو يأخذ ليهب  فتصبح الهبة مبرراً للأخذ أو للنهب وهذا ايضا مصطلح يظل ايجابي في العقليه العربيه عموما  لأن الوهب  يضفي نوع التخفيف والقبول  للنهب  في دائرة هذا النوع من الاقتصاد.

عاشرأ: شخصيه مستهينه بالوقت انطلاقاً من موقف الثقافة العربية  من الوقت بشكل عام: وهذه صفه عامه للشخصيه العربيه عموميا , لاإعتبار للوقت  ويكرس ذلك تأخر المشروعات والاصلاحات الدستوريه والقانونيه والاجتماعيه .
أحد عشر:  شخصيه رومانسية أكثر منها براجماتيه واقعيه في فهم التاريخ بالذات, فهي تصر على التاريخ الصغير  وتتفنن فيه , تاريخ العائله والقبيله , وذلك يرجع لاسباب خارجه عن ايرادتها لانها مشغوله أو هناك من يجعلها مشغوله دائما بإثبات وجودها على هذه الارض  وباستمرار, فهي شخصيه منهمكه بإعادة التاكيد على الماض لايهرب منها على حساب المستقبل.

السؤال المطروح الآن هو هل أحدث الحصار تغييراً ملموساً في طبيعة هذه الشخصية وما جرى عليها من تراكمات تم ذكرها ؟ هذا ما قد نتطرق إليه في حينه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق