الجمعة، 21 فبراير 2025

المنصب بين الانجاز وحُسن الخُلق

زرته في بيته , لم أجد عنده أحداً, ترك الوظيفة منذ فترة ,  اعرفه قنوعاً ملتزماً , مخلصاً , لايحب  الأضواء ولا يسعى لها , كان مكتبه  يعج بالمتابعين طبيعةً لعمله , ومجلسه  مزدحماً  بالزائرين , يقدم المصلحة العامة على العلاقات الشخصية , أدى مهام وظيفته بما يرضي  نفسه وضميره,  إنتهت فترته  عاد الى منزله , قانعاً وليس مُقنعاً لدى  قطاع آخر من أصحاب المصالح الضيقة الذين يتكتلون حول المسؤول في لمح البصر غير عابئين  بأي شىء آخر غير  مصالحهم  حتى ولوكان ذلك على حساب مسؤوليات الوظيفة وقسم أداءها  وضمير صاحبها 

قلت له: كيف ترى نفسك الآن 

أجابني مرتاح وسألته ماذا عن من كان حولك ومعك ؟أجاب  بقي منهم القليل  الذين تربطني بهم علاقة قبل الوظيفة  وتفرق وابتعد الكثير ممن تعرفوا علي بعد  استلامي للمنصب. ثم أردف هل تعرف ان العديد ممن كنت أعرفهم قبل إستلامي المنصب  لم يزرني  ولو مرة  في المكتب  لأي مصلحة كانت , وانما كانوا يزوروني في المجلس  كأصدقاء  , وأختتم كلامه: الدنيا بخير لا يزال هناك أخيار  وهم كثر ولله الحمد , أهم شىء أن ترضي ضميرك  وأن تؤدي أمانتك  وتبر بقسمك  الذي اقسمته أمام الله ثم أمام سمو الامير المفدى." إنتهى"

 يخلط المجتمع  بين إنجاز الشخص  وممارسته للأخلاق العامة ,  فيرى في الالتزام بحسن الخلق إنجازاً, كافياً لنجاحه في أداء عمله  دون حسابات أخرى تقتضيها  طبيعة العمل ومسؤولياته. كثيراً مانسمع  أن مسؤولاً إنساناً ناجحاً ومحبوباً   لدى الجميع وحين البحث عن إنجازاته العملية  المحسوبة لانجد شيئاً يذكر.  كما جاء ذهب , اين الاشكالية هنا ؟ في ذكاء المسؤول أم في طيبة المجتمع وبراءته؟ المنصب مسؤولية  ويكتنفها قسم يؤديه صاحبه  للقيام بواجبه خير قيام , بينما حسن الخلق سمت إنساني يفترض ان كل إنساناً  يتمثل به ويلتزم به إنطلاقاً من إنسانيته وعضويته في مجتمع بشري إنساني. من يعمل يخطىء , ومن لايعمل  لايخطىء,  ومن يلتزم بالمسؤولية في أداء الوظيفة بعيداً عن أي شىء آخر ,  لايتقبله المجتمع بمثل ذلك الآخر الذي يعتمد على العلاقات الاجتماعية في سد ثغرة  عدم قيامه بمسؤوليته في أداء عمله بالشكل الأمثل. مجتمعنا الصغير  كان يقوم أساساً على العلاقات الأفقية بين أفراده , ولكن من تعقد الامور  وترابط المصالح  اصبحت شكل العلاقات فيه تأخذ منحنىً عمودياً على حساب  العلاقة الأفقية وهذا أمر طبيعي في حدود  معينه على شرط أن  لا تكون على حساب العلاقات الافقيه السليمة,  ضعف أداء المجتمع المدني جعل من المنصب  قفزة  قد تصيب صاحبها بعدم الاتزان, فبالتالي يصبح عرضة لتجاذب المصالح والاغراءات. نحتاج الى فصل في التقييم بين أداء الوظيفة وبين  دماثة الخلق التي من المفترض أن يتميز بها كل إنسان  سواء كان  صاحب منصب أم مجرد مواطن عادي , ليس كل من نحبه  كان ناجحاً في عمله وليس  كل من لانودَهُ  كان فاشلاً في أداء مهام وظيفته. أداء المجتمع نابعاً من  مستوى وعي أفراده  ليس فقط بذواتهم وإنما  بما يريدون تحقيقه في المستقبل   لأجيالهم , الاشكالية حين يكون صاحب المنصب من الذكاء بحيث يتصنع غير سجيته ليخفي عجز الاداء  , فيحفل بطيبة المجتمع على حساب ماكان يجب أن يقدمه له من إنجاز.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق