الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

نماذج إنسانيه : محمد بن شاهين واخويه السابقين




رحل بالأمس آخر الظرفاء الذين اعرفهم ويعرفهم أهل الريان قاطبة, وهو محمد بن شاهين النعيمي,وقبله رحل ظريف آخر هو راشد بن عبدالله بن أرحمه الكعبي وقبل عقد من الزمن رحل محمد بن عبدالله المؤذن وهو من ظرفاء مدينة الخور واهلها الطيبين الذين تفوح منهم رائحة الاصاله والطيبه والظرف. هؤلاء كانوا يدخلون السرور الى المجلس اينما حلوا , إذا ما قابلتهم لاتجد سوى الابتسامه وقد إرتسمت على شفتيك وانفرجت أسارير وجهك , نحن كتجمع إنساني في اشد الحاجه الى الدعابه والظرف, والمعروف ان لكل مجلس من مجالس اهل قطر ظريفه وصاحب دعابته, الشخصيه الظريفه لاتحمل الدنيا , ولكن تحمل خلاصة الدنيا , هي ترى المآل ولا تهتم بالحال , بعكس الشخصيه المتجهمه التي تعيش الواقع سجنا ينعكس على تصرفاتها ومزاجها فتعدي من حولها وتحول اللقاء الى مناحه والاجتماع الى لقاء مأساوي , الثلاثه رحمهم الله كانوا مرضى في آخر سنواتهم , لكنهم كانوا ينشرون الصحه ويتحدثون عن المستقبل , أكثر من كل الاصحاء الاقوياء, لم يحملوا هم المرض والعازه , كان ابوشاهين حتى قبل دخوله في الغيبوبه صاحب دعابه كل ماكلمته قال لي:متى تأتي الى لندن لنعيد الذكريات , وكذلك كان راشد الكعبي ايقونة اهل الريان وجميعهم يذكر دعابته وقصصه وتعليقاته , وهويعيش حياة بسيطه مجرده من كل متاع الدنيا حتى ان مشروعه للزواج لم يستكمل وعاش بلازواج ولا أولاد, ومع ذلك ما ان تلقاه حتى يضحكك وينسيك همومك , وقبله محمد المؤذن صاحب الاسره الكبيره التي حال مرضه دون القدره على استيفاء حاجياتها والتزاماتها , وهو النشط قبل ذلك والمتحرك دائما وراء رزقه, ورزق اولاده حتى أنه لما بنى بيته قال لي بكل فخر : هذا بيتي بنيته من عرقي وجدي وعملي ليلتئم فيه شمل أسرتي, كنت اسمع عند والدي رحمه الله وغيره من اهل قطر عن دعابات الظرفاء الذين لم نعاصرهم وقصصهم مع الحكام والمسؤولين , ودورهم في المجالس , في إشاعة البهجه والسرور , وفي نفس الوقت قصص أولئك الثقلاء على النفس الذين ما ان يحلوا بمجلس إلا وحل معهم الصمت والوجوم .مجتمعنا اليوم يتجه نحو التجهم بشكل غير مسبوق, نمتلك الثروه والصحه لكن النفوس قد ضاقت والحسد قد إنتشر والايثار قد إختفى والانانية قد تركزت حتى انك تجد مجالسا شاهقة ليس لها رواد, وقصورا منيفه تحول بينك وبينها الأبواب. البهجه تحتاج الى نفس فيها مساحه خالية من الدنيا ومتعلقه بشىء آخر غير الماده , الظرف يحتاج رؤيه ومساحه للعين تبصر أبعد مما ترى , هؤلاء البسطاء الظرفاء الذين يرحلون عن دنياناخساره كبيره للمعنى وللدنيا كقيمه , يرحلون خالين الوفاض الا من وفاض الابتسامه والذكرى التي تمتد الى الاسارير فتبتسم لاشعوريا بمجرد ذكراهم. الدنيا فلسفه وليست منهج صارم , اذا عشتها كمنهج ستسقط في االاختبار لانك لاتستطيع فهم لتناقضاتها, الضحك والسخريه فلسفه , عاش اصحابي الثلاثة ضاحكين ساخرين من الدنيا وهي تلعب بنا جميعا. في آخر لقاءاتي بصديقي الراحل محمد بن شاهين وقد بدى متعبا قبل سفره لرحلته العلاجيه الاخيره قلت له : يابوشاهين أراك اقل ظرفا وتهكما هذه المره , إلتفت الىُ قائلا: "داعش" وما نعايشة من قلة وفاء البعض وتنكرهم للصحبه وللأخوه, أحتلا كل المساحه في داخلي حتى انني بت ابحث عن الظرف والبهجه في الخارج خارج نفسي فلا اجده"
المجتمع يعيش إنسانيا ببنيته العليا من فن ومسرح وكوميديا نحتفل اليوم بالمناسبات, لكننا لانفرح , ونسمع للأغان ولكننا لانطرب , ونشاهد الكوميديا ولكننا لانضحك و وبرحيل الظرفاء من بيننا , يصبح الوضع داعشيا حتى مع زوال داعش لاننا سنجد انفسنا مع من يعتقد بقبضه على الحقيقه , فتتصادم الحقائق ونفتن, رحمهم الله جميعا , ورزقنا بظرفاء وابعدنا عن الثقلاء أهل النفاق الذين يرون الحياة غاية حتى وإن حال بينهم وبينها القبر.

هناك تعليق واحد:

  1. طوبى للظرفاء ..!
    لم يعد هناك ظرف ولا ظرفاء !
    راحوا الطيبين ! اولئك الذين يشاركوننا دهشتهم لمجريات الامور و يهدوننا نظرتهم المحايدة لمفارقات الايام والليالي ! اولئك الذين يمارسون الضحك لانه الامر الوحيد الذي يشبه الامل والفرح ولا يكلف دينارا ولا درهما
    الله يرحم التجهم يا سيدي فليس التجهم مقرونا بالضرورة بالنفاق و الاقنعة.. والتجهم اليوم امثل سبيلا من الاستهبال والاستضحاك والتذلل بامتهان النفس والكرامة . اصبح اليوم هناك مستظرفون بلا ظرافة
    ظهر من يسترزق بالاضحاك المبتذل ! من يمتهن انسانيته بالتذلل لاضحاك الشيوخ وابنائهم وعلية القوم وجلسائهم .
    تحول البهلول الشكسبيري المتهكم على المفارقات الى مجرد مهرج مهين مستعد لكشف عورته والتنطط كالقرود لكي ينال اللايكات و يضحك السيد الذي يطمع ان يمنحه رنج روفر ومليون ويصحبه معه في سفرة الى اوربا ويرسل في طلبه لاحياء حفل عيد ميلاد او حفل تسنين أو ختان !

    ردحذف