السبت، 6 يونيو 2015

لجنة تسمية الشوارع"عصيدة التاريخ والجغرافيا واللغه"


في تجوالي وزياراتي شبه اليوميه في منطقتي وما جاورها من المناطق لاأخفيكم انني اعيش حالة من الصراع النفسي بين كياني ووعيي, بين التاريخ الكبير والجغرافيا الصغيره , بين الحقيقة والوهم , أخرج من بيتي في شارع أُحد , استشعر هذا الاسم يوميا , لماله من مكانة تاريخيه ولما يدل عليه من معنى ومغزى , اشعر أنني في عين التاريخ العربي والاسلامي , بعد لحظات أقطع شارع مكة المكرمه , فأشتشعر السمو ويهفو قلبي الى اللوحة الزرقاء الذي كُتب عليها الاسم , لأصاب بهبوط أكاد أجثم منه على ركبي , حين أجد نفسي في شارع "أم حصاة", لأصطدم بعده بشارع "القعابيه" لأدخل بعد برهة الى شارع النفافيس , وشارع الجوشن حتى شارع "يوده" كل هذا الاختزال المريع بين ما أدركه كمسمى أُحد وما أجهله تماما ك "يوده " في منطقة واحده تقريبا , لأصل الى منزل أحد الاصدقاء , مهمش الوعي , ممزق التاريخ , مجزأ الجغرافيا , مبعثر الهويه. لااكاد أدرك الى أي عصر أو تاريخ أو مكان أو حتى لغة أنتمي , وأنا عاصرت خمسة اجيال , وأشفق كثيرا على ابنائي حين يسألونني عن بعض أسماء الشوارع الغريبه فأأ جيب " البعوضيات" روضة من رياض قطر , وأم طاقة كذلك روضة من رياض قطر و ثغب العركش "غار " في أحدى مناطق قطر , وأجبيجب ,أسم مكان , فأرى الاستغراب باديا على وجوههم وكأنهم يقولون الا يوجد أسماء أفضل تساعد على بناء ذاكرة تحفظ وتنقل مالتاريخ الذي تحمله هذه الاسماء ناهيك عن صعوبتها وانغلاقها على معان وليدة لحظتها . طلب مني احد الاخوان ان أن أحدد له مسجد "الأخوين" في منطقة الوعب للصلاة فيه فقلت له أن يقع على شارع" صنيع بوحصى" وتأتيه من مكانك هذا عن طريق "أبو أعرين" فسقط صريعا بين الأسماء , وردد :ارجوك أرسم لي رسمة بلا مسميات. أخواني اعضاء لجنة تسمية الشوارع , لا تدركون خطورة ما تفعلون , ليس أسهل من تشكيلة لجنه , لكن الهوية والتاريخ واللغة ليسا مشروع لجنة بقدر ماهما مشروع وطن , نعم وطن , الوطن أسما وهوية وتاريخ ولغة . أشعر بنوع من الاستسهال واضح من قبل الحكومة لقضية مسميات المناطق والشوارع , بغير إدراك لخطورة ذلك ." وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكه" سورة البقره" في التفاسير أن الله عز وجل كرم آدم بتعليمه الاسماء كلها وفضله على الملائكة بذلك . فالاسم امانة , وذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بضروره تحسين أسماء الابناء"؛إحسنوا أسماء أبنائكم" علينا أن ندرك بأننا في مشروع كهذا نحتاج الى عدة مصالحات وملاحظات حتى نحقق الغرض المرجو من هذا المشروع , وحتى يكون عملا تنمويا , وليس عملا إنتكاسيا , كما هو الآن وهي كالتالي
أولا : لجنة تسمية الشوارع والاماكن من المفترض أن تكون لجنة"هويه" مستقله وليس لجنة إداريه تتبع جهاز حكومي , الاستقلال فيها والحياديه مطلبان ضروريان, الاسماء جزء أساسي من الهويه وهما هنا على نمطين , نمط نمط استنباطي من البيئه الجغرافيه على شرط أن يكون واضحا ودالا وفصيحا قدر الأمكان لكي يمكن مروره مع الزمن وتغير الاجيال , النمط الثاني استقرائي من مجموع المعطيات ليعطي دلاله واضحه هوية البلد وثقافتها وطابعها الخليجي و العربي .
ثانيا:يشترط في اللجنه وجود خبراء لغه واجتماع وتاريخ وتراث من اهل البلد , يضعون المستقبل على درجه واحده أو أكثر قليلا مع الماضي , نحن ننتهك اللغه عندما "لحويله" مثلا بدلا عن "الحويله" اللام الشمسيه تكتب ولاتنطق , عندما تتركز في ذهن النشء الجدي بهذه الكتابه , نحن ظلمناهم وظلمنا لغتنا العربيه كذلك . برنامج تلفزيون قطر وتلفزيون الريان التراثيه مع الاسف ترتكب مثل هذا الخطأ الجسيم , وهما وسيلتا إعلام رسمي , هذه كارثه بيئه بمستوى التلوث البيئي والاشعاعي , أي لسان نغرس وأي لغة يكتبها هؤلاء الصغار.
هاتين الملاحظتين لاتنفذان إلا بعد عقدنا لمصالحات كما ذكرت أو هذه المصالحات هي:
1-مصالحتنا مع التاريخ: التاريخ منجم أسماء لاينضب إذا أعتبر أنه تاريخ ليس له اسقاطات ايديولوجيه او سياسيه على الحاضر , الأمر الذي يحوله الى انتقاء وإنتفاء , إنتقاء ما يريده الحاضر وانتفاء مالا يريده , في كل مناطق قطر هناك رجال وشخصيات من اهل قطر , من الممكن جدا بل من المكطلوب أن تسمى شوارع بأسماءهم أو تقاطعات , هل يعقل أن لايوجد أسم من اسماء اعلام الوكره مثلا على شوارعها وهي المدينه الثانيه في الدوحه ؟ أوفي الريان او ماتبقى من الريان القديم والجديد الى جانب اسماء الشيوخ ؟ زرت الكويت فرأيت عجبا أسماء ابناءها تنتشر في كل مكان , الى جانب الاسماء التاريخيه والعربيه واسماء المناطق الفصيحه. يجب ان نتصالح مع تاريخنا , ونذكر شخوصه الذين تركوا بصمة , هذا يحسب للحاضر ولمسؤوليه , التميه في الاساس هي وعيا بالتاريخ لا غنتقاء له , لأن الانتقاء سيلفظه التاريخ فيما بعد فكم من الاسماء جرى تغييرها لما فرضت على التاريخ بفعل اللحظه القائمه والوضع الراهن, من الجميل ان اجد اسماء لرجالات قطر في مدينة الخور والذخيره , لكنهما ليستا كل قطر, التاريخ لاتحده وجهة ولا إتجاه واحد دون غيره.
2- المصالحة مع اللغه : إعتقدنا ان التراث هو العودة الى كتابة الكلمات كما ننطقها بالعاميه لا الى كتابتها باللغة العربيه , فكتبنا "الأبرقه" مثلا كما ننطقها لأبرقه, العامية لاتكتمل الا بالفصحى , ولايصبح لها معنى بدونها , إذا خلقنا صراعا بين الفصحى والعاميه , قد نعيش اضطرابا ثقافيا له تأثيرات سلبيه , خاصة ان تجانس المجتمع بدأ في التشظي والانفكاك , يجب أن تكتب جميع الرموز والاشارات باللغه العربيه وإن نطقت بالعاميه , نحن لانعيش قطر الخمسينيات ولا الستينيات , عندما نكتب لافته كبرى بإسم " السودان" بدون كتابة فريج السودان " القبيله الكريمه , فهذا تضليل كبير , للقادم وللمستوطن , كما هو موجود بالفعل . مصالحتنا مع لغتنا وفهمنا لتراثنا يتطلب منا ان نحول طاقة الشباب الى واقع اجتماعي لا معطى بيولوجى , استخدام العاميه في الكتابه ظاهرة بيولوجيه وليست اجتماعيه فيها فورة الشباب وليس نضوج الاجتماع.
3-تحييد الجغرافيا: ليست كل الجغرافيا أسماء , وليست كل المواقع واسماءها التي اطلقت عليها في لحظة زمنيه خاطفه تصلح لأن تستمر , كل رياض قطر لها أسماء عند أهالينا الأوليين , يسمون المكان بأول مايبرز لهم منه أو بأي حادثة صغيره قد وقعت فيه , بعض هذه الاسماء لاتنطق وبعضها جارح وبعضها صعب وبعضها مؤقت لايمكن تداوله بشكل دائم , فعلينا تحييد الجغرافيا والاستفاده منها ومن أسمائها بما ينفع التوجه العام للدوله ولأهدافها " صنيع بوحصى" مثلا تصغيير لكلمة "صنع" وهو مكان تجمع الماء, لكن أن يسمى به شارع من أجمل شوارع منطقة الوعب الجديده الحديثه وغيره من الاسماء التي ليست قطريه فقط بل مزمنه في قطريتها" بحيث لايدرك معنها الا من كان مزمنا في قطريتهو فيها صعوبه كعنوان يحفظ وكرمز دال .
4- الذوق والحس الفني : يتطلب الأمر حسا وذوقا فنيا مرهفا , فلدينا مناطق ولدينا فرجان , فنقول منطقة كذا في فريج كذا في شارع كذا , فبعض الاسماء التاريخيه في اعتقادي أكبر من تسمى بها شوارع الفرجان , لأن إسم هذه الشخصيات التاريخيه الكبرى كصلاح الدين أو خالد بن الوليد , أكبر من مسميات الفرجان ذاتها مكانة تاريخيه وبعدا ثقافيا , في إعتقادي لو نلجأ الى ترقيم شوارع الفرجان ما أمكن بدلا من خلط الاسماء داخلها بشكل لايتماشى مع الذهن ولايساعد على التذكر فنقول مثلا شارع رقم واحد في فريج كليب , وشارع رقم ثلاثة في فريج بن درهم مثلا , وشارع رقم واحد في فريج الغانم العتيق . ثم ليس كل شارع يسمى شارعا , معظم هذه الشوارع عباره عن سكيك داخل هذه الفرجان , لايوجد مسمى سكة الا قليل جدا فكل المنافذ شوارع بالرغم من اختلاف الحجم والطول والمسافه , لاأرى وعيا بيئا ولاجغرافيا ولا مسحيا أبدا, أعرف مسمى شارع في منطقتي لايتعدى خمسون مترا أو أقل من ذلك, كذلك ضرورة ترابط المسميات وقربها من بعضها البعض , فأسماء الدول تكون متقاربه بحيث يمكن تحدي المنطقه مثلا.
5- أخيرا من السهل جدا ان تتحول لجنة تسمية الشوارع الى لجنة استبداد إذا لم ترتق الى مستوى التصالح الذي ذكرت مع التاريخ والجغرافيا واللغه , فلبداية ليست مع مقترحات الجمهور , البداية تكون مع المبدأ الذي تقوم عليه والتوجه الذي تشهده , استثارة الجمهور للتجاوب جيده بشرط أن تكون الأسس الموضوعه موضوعيه ومحايده ومنصفة , فالاسماء المناطق كما ذكرت لاتقل اهمية عن السلام الوطني , لان السلام لايكتمل إلا مع تناسق الاسماء الدالة عليه وإلا أصبح نشازا تشمأز الأذن من سماعه لأنه قد يعكس واقعا مشوها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق