الجمعة، 10 يوليو 2015

سعود الفيصل وكاريزما الحضور


منصب وزير الخارجيه إما حضور أو غياب لاتوسط بينهما يحتمله هذا المنصب الخطير, لوتتبعنا تاريخ الدول لوجدنا أن فترات الصعود والتميز التي مرت وتمر بها ,ترتبط ارتباطا وثيقا بوجود وزير خارجيه متميز , منصب وزير الخارجيه عموما يمثل تروميترا واضحا لحضور وقوة تاثير الدوله , هو قوة الدوله الناعمه التي تحدث التغيير المستحب والذي تتطلع إليه ضمن المجتمع الاقليمي والدولي , منصب وزير الخارجيه في بلداننا العربيه اخطر منه في البلدان الغربيه الديمقراطيه , هناك هو يعمل ضمن خطه لحزب وإنتخابات رئاسيه وتشريعيه قادمه, بينما في حالتنا هو يعمل ضمن نظام حكم ثابت لايتغير في المنظور القريب , هناك لايتطلب الأمر كاريزما وحضور بالقدر الذي يتطلبه الوضع لدينا , هناك هو جزء من منظومه , هنا هو منظومه قائمه بذاتها بين النظام والمجتمع ذاته وبين الدوله وغيرها من الدول . لذلك دوره في مجتمعاتنا محوري وأساسي ويتطلب "حضورا" قويا ومقنعا. الراحل الكريم سمو الامير سعود الفيصل تغمده الله برحمته , كان خير مثال لكاريزما الحضور , قبل مرضه الأخير كان يشكل تكامل الصوت والصوره والشكل والمعنى من خلال لغة واضحه سواء العربية او الانجليزيه أو الفرنسيه, تذكرني وسامته في السبيعينات وأوائل الثمانينيات بثورة في عالم الدبلوماسيه أشبه بكاريزما ثوار أمريكا الجنوبيه في جذب الانظار والحضور والتأثير وبالاخص جيفارا , ولاينازعه في ذلك سوى عبدالعزيز بوتفليقه الرئيس الجزائري الحالي والوزير السابق في شبابه, كات تأثير الاحداث الاخيره منذ غزو العراق وسقوطه ومايجري على الساحة العربيه من أهوال جسام أبلغ الأثر على الراحل الكريم , كان ذلك واضحا , وأذكر أنه إنتقد غير مرة الموقف العربي والخليجي من اسقاط صدام , وقال لولا أن ذلك تم لما وصلت الأمور الى ماوصلت إليه من تقدم واضح لإيران على حساب الأمة العربيه , في نقد ذاتي جرىء وإحساس عال بالمسؤوليه, على الرغم من أن سعود الفيصل عاصر أربعة ملوك كوزير للخارجيه إلا أنه كان الواضح أنه بلا شك كان يمتلك عقلية نسبيه ترى الأمور من خلال مقتضيات الواقع ولديها المرونه اللازمه في تحقيق ذلك , وهو مايميز وزراء المده الطويله في الانظمه المركزيه , تماما كأندريه غروميكو في الاتحاد السوفيتي السابق والأمير الشيخ صباح عندما كان وزير للخارجيه , ومع ذلك فأنني أعتقد أن الامير سعود الفيصل كان مؤهلا أو أكثر العرب تأهيلا لأن يصبح وزير خارجيه في أي نظام ديمقراطي غربي حزبي لثقافته العاليه وتفانيه وخلو تاريخه رغم طول مدة عمله من مايشوبه عمليا أو اخلاقيا على حد علمي ومشاهداتي ومتابعتي , فلااذكر أن طرح إسمه حول مايشوبه من شوائب قد تلحق بأسماء الكثير من الدبلوماسيين حول العالم . بوفاة سعود الفيصل تنتهي حقبة وزراء الخارجيه التاريخيين في عالمنا العربي و,بعد صعود بوتفليقيه الى سدة الرئاسه , والشيخ صباح الاحمد الى سدة الحكم في الكويت , وغياب الخارجيه المصريه العريقه عن المسرح , أنا أعتقد اننا اليوم بصدد مرحلة "الوزير البرنامج" وليس الوزير الكاريزما", وهذا في حد ذاته تحدي كبير للدوله في عالمنا العربي , أن تضع برنامج وتعمل على تنفيذه , سنفتقد شجاعة سعود الفيصل وإخلاصه وتفانيه حتى الرمق الاخير من المرض , سنفتقد حضوره وبلاغته , إلا اننا سنتذكره دائما وهو يدافع عن قضايا بلده وأمته بكل شجاعة وبساله , سنتذكر أنه نقل الدبلوماسيه العربيه من ثقافة التبرير الى ثقافة النقد الذاتي للتصحيح , بودي لو كتب مذكراته ليتعلم منه الجيل القادم الكثير . رحمه الله وأجزل له العطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق