الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

"قلق" المكانة وأفول "الدولة"


 

الدولة العربية عبر تاريخها لم تشهد ولادة الدولة الحديثة و لم تنبثق من المجتمع ولم تصغ مجموع ارادته العامة, بل هي  تعيش فوقه و تمتلكه , فهي ليست بدولة  قومية من المنظور  القومي وليت اسلامية من المنظور الاسلامي وليست دولة النخبة القائدة من المنظور الاشتراكي, أقرب مايمكن أن توصف به الدولة العربية   هو أنها دولة "الغلبة" الفارزة للمكانة التي من خلالها  تصبح هذة المكانة هي  أداة السيطرة على المجتمع, حيث  تتصاعد  بشكل تدريجي  حتى مستوى القداسة , ثم تنهار  بشكل دراماتيكي  لدرجة التدنيس,  ويصبح التاريخ العربي ليس سوى دورة  فيما بين القداسة والنجاسة, هذا الهاجس ينتابني منذ بداية أزمة الحصار الجائر على قطر , وأنا أرى تمظهراً جلياً جداً وواضحا بما لايدع مجالا للشك لهذة الدائرة المفرغة من تاريخنا العربي . كانت المكانة الى حد قريب هي السياسة , لم تكن المؤسسات  ولا الهيئات الاقليمية تؤدى دوراً رئيسيا بعيداً عن دور "المكانة"  للزعامات  والقيادات . حيث أصبح هناك إعلاءً واضحاً لما يُسمى ب"سلم القبائل" الذي كان منتشراً لدى القبائل العربية في الجزيرة ليصبح  

جزءاً هاما من الارادة السياسية للدولة , فما أن تصل الخلافات  مهما كانت درجة  قوتها الى  مستوى المكانة حتى تجد حلاً  وتنتهي أو تكاد.أزمة الحصار اليوم تعمل يومياً على تآكل هذه المشروعية السياسية التقليدية دون أن يقوم البديل , بل ان  مفهوم المكانة نفسة قد تعرض الى إبتذال صارخ  فتبوأه  من ليس له القدرة حتى على إقناع نفسة  بأهليته وصلاحيته لهذه   المكانة.خادم الحرمين الشريفين , مكانة تقف عندها الخلافات لتجد الحل , اليوم هذه المكانة جزءاً من المشكلة وليس من الحل , المفتي العام للديار السعودية أيضاً ,مجلس التعاون أصبح جزءاً من المشكلة كذلك , بينما كنا نتوقع أن يكون مجالا للحل .قلق المكانة أصبح هاجسا  خطيراً  ومدخلاً للاغيار ومصالح الغرباء ,  لعجز الدولة عن إنتاج البديل من داخلها بعد الاتيان على دور "المكانة"  أو تآكلها من الداخل لانتهاء وقتها وعمرها المفترض. "المكانة السياسية  هي الدور  والقائد , حينما كانت مصر تلعب دورها وحجمها الحقيقي  كانت زعامة , وحينما كانت السعودية تقوم بواجبها ودورها الحقيقي كانت زعامة  وكانت هناك حلولاً لما يعترض المنطقة من خلافات ومشاكل, انا اعتقد ان الانقلاب في مكانة السعودية وقيادتها , وقبل ذلك في دور مصر وريادتها , اوصل الاوضاع الى هذا الحدً الذي نعايشه  لاحرب ولا سلام  ولاتعايش ولا خصام, وأوقع المجتمعات في خضم  حرب نفسيه بين ماتشعر به وما يجب ان تفعله وتمارسه في العلن. علينا أن نتجاوز  دائرة التقديس أو التدنيس  على الجانبين , وأن نبدأ في الخروج من  مرحلة "المكانة  للأفراد الى حيز المكانة للشعوب  ودورها  في صنع مستقبلها وخياراتها, حينئذ سنجد أنه لاسبيل سوى الحوار والجلوس  حيث لامكانة للفرد الا من خلال الارادة العامة التي يمثلها وليس من خلال  هواجس نفسه وأطماع جسده ومصير  أولاده وعائلته فقط. إفراد المجال للذباب الالكتروني لحيازة المكانة هي أوقع هزيمة منيت بها ثقافتنا العربية ربما منذ  الغزو المغولي لمكتبات بغداد وإغراق مياه دجلة بالمداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق