الجمعة، 19 يونيو 2015

الخطيب وأثره النفسي في المجتمع


عندما يذهب أحدنا للاستماع الى خطبة الجمعه أو أي خطبة دينية أخرى يكون عقله الباطن محملا بقيم العرف الاجتماعي واعتبارات المجتمع الذي يعيش فيه , هو لايأتي للمسجد من فراغ , لذلك تتخذ الموعظة سبيلان, الأول أن تتماشى مع ما تعارف عليه المجتمع من عرف وأخلاق سائده , وتعرض على المستهجن منها لابنفيه وانما بإصلاحه تحت عنوان كبير وعظيم هو "تقوى الله" والثانيه ان تتصادم مع ماهو قائم من خلال الطرح الطوبائي , الأمر الذي يحدث أزمة نفسية لدى المستمع , كأن يشير احدهم الى رذيلة جمع المال وأن الله يحب الفقراء من عباده وما إلى ذلك من هذا الطرح الطوبائي و الانسان حينما يستمع الى مثل هذا الطرح الذي يعظه بترك الدنيا الخلابه يمسى مضطربا فضميره يأمره بإطاعة هذا الخطيب , ونفسه تجذبه نحو الدنيا , ناهيك إلى تطور وإرتباط مثل هذه الدعوه الطوبائيه بإيديولوجيا تحققها أو تضع الطريق لتحقيقها. كيف أمكن التعرف على تاثير ذلك في مجتمعنا القطري الصغير؟
أولا : أعتقد أن غياب المجتمع المدني في قطر بل في معظم المجتمعات العربيه أدى إلى بروز دور الخطيب والخطابه الدينيه لتملأ الفراغ الناشىء تبعا لذلك.
ثانيا : مر مجتمعنا الصغير بثلاثة انواع من الخطباء حتى الآن, الخطيب الفارسي "من فارس" والخطيب الأزهري , والخطيب القطري مؤخرا.
ثالثا: الصراع في مجتمعاتنا هو بين قيم البداوه وقيم الاسلام منذ مجىء الاسلام حتى اليوم , فالخطيب عليه أن يراعي ذلك, ويعيه تمام الوعي , فالعقل الظاهر عقل إسلامي , لكن العقل الباطن هو عقل بدوي قبلي.
رابعا: الخطيب هو إبن بيئته , لذلك المجتمعات التي لايكون خطباؤها من أبنائها عرضه للعصف وللتأثيرات النفسيه السلبيه , نتيجة لذلك.
خامسا: خطباء المساجد من أهل فارس في الستينيات , نشأوا من داخل المجتمع ومن خلال تقربهم من الشيوخ وحفظهم للقرآن أصبحوا أئمة للمساجد فأجندتهم الوعظيه لم تكن تتعدى تقوى الله والحث على الفضائل , في توافق تام مع نفسية المجتمع السائده.
سادسا: مع قدوم الواعظ والخطيب الازهري , إختلف الوضع حيث بدت الخطبه تلتقى مع ماتواجد في المجتمع من أعراف وتقاليد , وتختلف معها أحيانا وهذا طبيعى , لكن أجندة الاصلاح كانت تختلف عما سبق , من مجرد الدعوه لتقوى الله , لذلك لاحظنا لأول مرة تفضيل مسجد على مسجد , وتزاحم المصلين في مسجد دون مسجد آخر, منهم اساتذه وعلماء أفاضل إستفدنا منهم , لكن قليلا منهم تفاعل مع المجتمع إنطلاقا من خصوصية المجتمع , لامن منهجه وطريقته وتياره الذي يتبناه .
سابعا: ما يهم هنا هو دخول المجتمع مرحلة الصراع والاعتمال النفسي الذي لم يكن سائدا من قبل, خاصة لدى النشء الجديد الذي يسمع شيئا ويرى اشياء أخرى , فالخطب الطوبائيه التي تجعل من المسلم حالة ملائكيه تفصله نفسه عن جسده فيعيش الاضطراب , مع دخول الفضائيات ساء الأمر أكثر وانفتح المجتمع على سيل من الخطب , فأصبح الأمر يحتاج الى قراءة جديده ومراجعة طويله لدور الدين في المجتمع.
ثامنا: الطرح الطوبائي الذي يمارسه الكثير من الخطباء قولا ويمارسونه ضده في المجتمع زاد الطين بله, مما يفقد النشء الثقة البرنامج التوعوي كله وبدور المسجد, حدث كما قيل لي ان أحدهم كان يحدث عن عدم جدوى السلام بالأنف والاكتفاء بالمصافحه فلما دخل المكان أحد الشيوخ قفز إليه مقبلا أنفه ورأسه , وآخر كان يحدث يوميا في حضور الشيخ , وعندما غاب الشيخ إمتنع عن الحديث والوعظ.
تاسعاا: الخطيب الحقيقي لايضع المستمع في حيرة , بين عقله وقلبه, أو بين ذاته ومجتمعه , ليس الانسان ملاكا , وجميع الصفات المستهجنه صفات إنسانيه كالحسد والحقد والشهوه وحب المال والنساء والطمع وغير ذلك , فالتعامل معها ليس بنفيها والتخلص منها بقدر ماهو بتهذيبها , فهي فينا والحل أن لاتنقلب علينا.
عاشرا:بين الوعظ الإفلاطوني والوعظ الايديولوجي إحتارت مجتمعاتنا , فالوعظ الافلاطوني سبب ويسبب صراعا نفسيا , والوعظ الايديولوجي أرسل بابناءنا الى التهلكه تحت شعارات براقه
أحد عشر: نتطلع إلى جيل من الخطباء والوعاظ من أبناءنا القطريين , الذين نشأوا ضمن العائله القطريه داخل المجتمع القطري و الذين هم ادرى وأقدر تلمسا لأحاسيس المجتمع من غيرهم .
إثنا عشر: اليوم إنفتحت البلاد على مشارب كثيره من الخطب والخطباء والفقهاء والمتفيهقين , فنحن أمام خطابات متعدده , ومذاهب وبيئات متنوعه , فما احوجنا الى المجتمع المدني الذي يجعل من الخطبه مجرد رأي وليس اجنده , لأن الاجندات يحملها المجتمع المدني بهيئاته ومؤسساته ونقابات .
ثلاثة عشر : داعش والقاعده وغيرهما ظهروا نتيجة لخطاب طوبائي يستحضر الآخرة قبل أوانها , هم نتيجة لغياب التنميه , وغياب الانسان , هم نتيجة خطبة وضعت الخيار بين وخز الضمير وسوء المنقلب, تماما كما حصل " لعمر بن ابي وقاص حين وعده ابن زياد بإمارة الري ان هو خرج لقتال الحسين فإنتابته الوساوس وبلغ به التردد مبلغا كبيرا بين حب الإماره ووخز الضمير في قتال الحسين" فوقف حائرا لايدري ماذا يفعل "عباس العقاد-أبو الشهداء"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق