الجمعة، 26 يونيو 2015

المشايخ بين التغريد والتفريط

<
عندما كنا صغارا كنا نخاف ونرتعد من شيخ الدين اذا تكلم , لأنه لايتكلم سدى و,بل لايتكلم كثيرا ولانجده الا حين نذهب اليه ونترصد للقائه في المساجد , كان المجال أكثر إتساعا للعامه وأكثر صفاء لأحاديثهم وحكاياتهم وإذا اشكل عليهم شيئا ما في الدين ذهبوا اليه ليستشيروه , فكينونته كشيخ دين أو إمام مسجد أو مفتي ليست منغمسه بشكل تعمل على تديين انشطة المجتمع التي لاتحتاج أصلا لأن تُدين أو تصطبغ بصبغة الدين لأنها من المباح المعلوم, لم نكن نرى شيخ دين يفتتح صالة اجتماعيه أو قاعة دينيه أو يرعى نشاطا اجتماعيا ايا كان نوعه , أو يخرج في التلفاز مفسرا للاحلام أو محللا ومعالجا للشئون الاسريه والزوجيه , كانت المجتمعات أقرب الى التخصص , وكان اشد انواع التخصص سطوعا هو دور رجل الدين أو شيوخ الدين عموما.
بعد ظهور القنوات الفضائيه العامة منها والدينيه خصوصا , اصبح شيخ الدين أكثر اقترابا من المجتمع ومع مرور الوقت وتعدد الشيوخ والدعاه أصبح هناك منافسة واضحه بين بعضهم البعض وبين قنواتهم والقائمين والممولين لها من جهة اخرى ومع بروز الطائفيه المخيف أصبح هناك نجوم لكل طرف , أصبح افراد المجتمع ينظرون الى الشيخ من جهات اخرى غير تلك التي عهدوها من قبل , اصبحوا ينظرون الى هيئته وشكله واسلوبه وتعبيراته وحضوره كذلك , فأصبحت العلاقه أقرب بعلاقة النجم التلفزيوني بمعجبيه , فأنصب الاهتمام ليس على طبيعة الفتوى أو الجوهر و المنطق في عرضها بعيدا عن تأثيرات الصوره وتكرار الظهور الذي يقرب أو يؤثر على طبيعة الحكم على الاشياء, فإزدادت تبعا لذلك, مساحتهم داخل المجال العام على حساب مساحة المجتمع المتدين بطبعه واصبح جزء كبير من تفاعله يمر من خلالهم وعبرهم لتأثير الاعلام,وقدرته على تكوين صنع الصوره النمطيه ,لكن قيمة شيخ الدين لم تكن كما كانت في السابق بالطبع حيث اصبح كأي شخصية عامه في المجتمع لكثرة كلامه وظهوره في التلفاز وتنوعت صوره واشكاله فأصبح عرضة للتسليع والانتقاء من بين آخرين. ومع تويتر والفيس بوك دخلنا مرحلة اخطر كثيرا وتحتاج الى قدرة أعظم واختزال محكم لما سمىء بالتغريده تشبها بتغريده الطائره التي يطلقها دفعة واحده بعفوية لاترجع بعدها حتى لو رجعت كحالها الأول , التغريده في الهواء جميله لكنها تحمل بصمات صاحبها وما يمثله منها تأتي خصوصيه شيخ الدين في التغريد كثير من الشباب المغرر به استند الى تغريده صدرت من شيخ دين يجله ويحترمه فالتغريده الدينيه من شيخ الدين قد تعمل على شق المجتمع طوليا تشق , فالتغريده الطائفيه مثلا من الجانبين أو أكثر تعمل على شق المجتمع طوليا الى حيث مرجعياته الاولى الدفاعيه , وهي أخطر كثيرا من اللقاءات التلفزيونيه التي يشتعل فيها الحوار حتى يمتص الجهد منهم كل قوه ونشاط. في لقاء عبدالله المديفر بالأمس مع الشيخ عوض القرني ذكر له احدى تغريداته التي قد تسىء للعلاقه بين السعوديه والامارات في الوقت الذي يموت جند من دول الخليج بما فيهم شباب من الامارات دفاعا عن التراب السعودي, فلم يستطع ان يجاوب وكل ماقاله ان ضاحي خلفان كان يفعل اكثر من ذلك. ولاحظت كغيري تغريدات من بعض المشايخ فيها كثير من الدعاء على الغير من الطوائف الاخرى في الوطن الواحد, بل أنني لاحظت تراشقا بين المشايخ بعضهم البعض, مشايخ الدين لهم خصوصيه ليسوا كباقي الناس في مجتمعات متدينه وتعطي للدين ومشايخه كل اهتمام واعتبار بصفتهم العلماء الذين يخشون الله , لسمعت أحدهم او الذي يعتبر نفسه أحدهم يفتخر بأن عدد متابعيه قد تخطى المليون متابع يقولها وكأنه نجم سينمائي " لدي مليون متابع , بعد أن اعترضت على جواب طرحه. أعتقد أن تويتر ومثله جاء من مجتمعات قائمه على التعدديه فزادها اتصالا ووصلا وتشابكا , وعندما وصل الى مجتمعاتنا الآحاديه القائمه على المطلقات والفكر الأحادي زادها تفرقا وتشعبا , ويمكن ملاحظة ذلك مؤخرا خلال الازمات السياسيه التي مرت بها منطقتنا , ومطاردة المغردين وسجنهم , تويتر يصلح للمجتمع السياسي , لاللمجتمع الديني المسيس , يستخدمه الاجتماعي والسياسي ليحدث في اقصى مايمكن أن يحدثه من ضرر هو شق المجتمع ثقافيا وهي حالة ليست بالخطيره بل ربما تكون عامل من عوامل تطوره , أما اقصى ضرر يحدثه رجل الدين فهو شق المجتمع عموديا بحيث يصبح التقابل بديلا عن التعاون , هنا نقطة هامة جدا أود لو أذكرها وهي هل شيخ الدين إطفائي حريق , أم مُشعل حرائق؟أنا اعتقد أن في تويتر كثير ممن يطفي ويساعد على أطفاء الحرائق إلا أن تغريده واحده من شيخ دين ممكن ان تورط المجتمع في حريق ليس مع الغير بل مع مكوناته وجزئياته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق