السبت، 4 يوليو 2015

نظام التعليم الذي يجب أن يُحرق


في رواية "السُحب" وهي من أروع روايات الكوميديا النقديه لاريستوفانيس أحدى كتاب الكوميديا الساخره في اليونان القديمه, يسخر وينتقد الفساد الاخلاقي والاجتماعي في المجتمع الاثيني , يصل الى نتيجة هامه وهي أن فساد التعليم وراء كل فساد يظهر في المجتمع, ويحكي قصة أسرة تسىء تربية إبنها الوحيد بكثرة تدليله مما جعله يستهتر بالحياه الى درجة أن يوقع الاسرة في ديون تعجز معها عن السداد والايفاء بها, فتلجأ الاسره الى النظام التعليمي الذي كان سائدا في حينه وهو النظام السفسطائي القائم على قلب الجدل والمقدره على الايهام بأنه لايوجد شىء ثابت , وإن مقياس الاشياء هو الفرد , ليتمكن الولد من الخلاص أمام المحكمه من ديونه و وبالفعل ينجح في التنصل من التهمه التي وجهت اليه . بعد ذلك يبدأ الولد في الاساءة الى والديه وضربهما فيشكونانه الى المحكمه فينجح في التنصل من هذه التهمه كذلك عن طريق اثبات انهما سبب فشله لأنهما أساءا تربيته وقال أنه يجب أن يؤدبهما حتى يقومانه بتأديبه وحسن تربيته, بعد ذلك يقوم الأب ومعه كل عجائز أثينا بإشعال المشاعل والذهاب الى المدرسه لإحراقها والتخلص من هذا النظام التعليمي الذي أوجد تبريرا لكل فساد فتغطي السحب سماء أثينا كلها. هذه القصه تدل على أهمية دور النظام التعليمي في كل مجتمع وإنه يتحمل المسؤولية الاولى ليس فقط في تطور المجتمع وإنما في تزويده بأخلاقيات التربيه التي لاتحدث انشقاقا نفسيا بين مايلقن وبين ما يُمارس في الواقع .
تجاربنا العربيه التعليميه جميعا فاشله مع الاستثناء في النسبه من بلد الى آخر, كل ماعلى الطالب بعد تخرجه هو أن ينضوي ضمن النظام الاجتماعي السائد , وأن يبحث على مكان له فيه , فيصبح كل ماتعلمه لايتعدى كونه سفسطه سلبيه تنتج نفاقا وتورية, تؤدي او تقوم بإقناعه بأنه ليس هناك ما يمكن ان يقوم به سوى الانضواء ضمن ماهو قائم , هذه النظره الميتافيزيقيه الدينيه للنظام التعليمي بالضبط هي كمن يولد وهي يمتلك الحقيقه وما عليه سوى الاتباع , في رواية السحب أراد اهل أثينا التخلص من النظام التعليمي الذي لايرسى مكانا للحقيقيه الاجتماعيه التربويه الاخلاقيه , وفي انظمتنا التعليميه , الحقيقه الاجتماعيه والسياسيه والدينيه مكتمله مسبقا وقبل كل نظام تعليمي تضعه الدوله , فكل ما يتعلمه المبتعث سفسطه غير مكتمله وانما تتوقف عند حدود الواقع ولاتعمل على نفيه لاسلبا ولا ايجابا , في رواية السحب , حرق اهل اثينا المدرسه التي لجأوا اليها لتعليم ابناؤهم كيفية الخلاص من قيود القانون ونسوا أنه هذه الطريقه قد تنقلب عليهم كما حصل تماما في الروايه , النظام التعليمي يقوم على حقيقة ان المجتمعات ليست مكتمله وتبحث دائما عن الكمال , لذلك نرى في جميع دول العالم بما فيها اكثر الدول تقدما كامريكا والسويد والغرب عموما , الرئيس او المسؤو لهناك يتعلم يوميا ويناقش الطلبه ويسألونه ولايستطيع أن يجب ويعدهم بأنه سيبحث عن الجواب , ليس هناك فكر لكل سؤال جواب ولالكل منبر خطاب , هناك تداول وبحث واستقصاء ونسبية يمثل ذروتها ارئيس او الحاكم , هذا هو المدخل للنظام التعليمي التفاعلي الذي لايتحول الى شهادة على الحائط حيث المجتمع يتطلب وسائل اخرى تليق بثباته وحقيقته الاجتماعيه الثابته , اليوم المواطن العربي يريد التخلص من انظمته التعليميه التي انتجت نفاقا لم يعد يحتمله. العلاج ليس في السفسطه كاللتي عانى منها أهل أثينا القديمه , ولابالثبات المذموم والحقيقه المطلقه التي تعيشها بلداننا , التعليم حالة ديناميكيه تعمل في أفق مفتوح وحرية مستمره تنتج مثقفا منفتحا لايحد أفق وانما في حالة بحث مستمر عن الجديد الذي يعمق انسانيته ووجوده , ماتعانيه المنطقه اليوم هي آثار نظام التعليم الذي قام على امتلاك الحقائق , فيذهب الطالب الى أقصى الدنيا ليتعلم ثم يعود ليصطدم بأن الحقيقة التاريخيه والدينيه والاجتماعيه موجوده حيث كان اصلا , فيصبح أمام خياران لاثالث بينهما , أما الاستغناء عما تعلمه وايجاد طريقة للإنضواء , وأما الهجره الى الخارج أو الهجرة الى داخله النفسي القائم في ذاته أنعزالا واتعادا وربما في حالات متقدمه التحاقا بما يمثل له انفتاحا في الافق واتساعا في الرؤيه ليس فقط في عالمنا المعاش وانما حتى في عوالم آخرى وراء ذلك , ليس لدينا سياسه لأنه ليس لدينا تعليم , فيلجأ الطالب الى الايديولوجيا الحارقه لأن التعليم اذا فقد قدرته على التغيير انتفى وبقيت الايديولوجيا وحدها في الميدان انظمتنا التعليميه احرى بها أن تُحرق, كما حرق أهل اثينا مدرستهم التي أقاموها لتخلصهم من أزماتهم "بالفهلوه" دون وجه حق وقانون , ونسوا أن الامر قد يصل اليهم فيحدث الانقلاب على الأصل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق