السبت، 5 سبتمبر 2015

علي بن حسن الدرهم


كنت في الثالث ابتدائي عندما دخل علينا أول مدرس قطري بثوبه وغترته وعقاله في مدرسة الريان القديم في المنتصف الاول من الستينيات من القرن الماضي , لم يكن أحد من المدرسين ساعتئذ يلبس الثوب الخليجي سوى مدرس الشرعيه المطوع حسن مراد رحمه الله مطوع الشيخ جاسم بن علي , لم يكن مدرسا بمعنى الكلمه وانما مطوع مسجد , جميع الاساتذه من الاخوان العرب الفلسطينيين والمصريين . في وعينا لاتجد سوى صورة المدرس العربي ذو البنطال والقميص . وكان الخوف منهم شديدا لصغرنا ولجدة ملابسهم على مجتمع الفريج , الذي كان يعطي مهابة لمن يلبس البدله حيث يمثل المهنيه من طب وتدريس وخلافهما , الاستاذ علي بن حسن الدرهم رحمة الله كان أول استاذ قطري تقع عليه عيني , كان بمثابة الاب للطلبه في الفصل يخاطبهم بخطاب المجلس الذي تعودوا عليه , وبنصيحة الوالد وبلهجة الاباء, في ذلك الوقت كان طابور الصباح اشبه بإصطفاف عسكري للجنود بثيابهم وسط حشد من المدرسين ببدلاتهم , لم يخفف شدة الموقف على الطلبه من أمثالي سوى رؤية الاستاذ الفاضل علي بن حسن الدرهم بينهم بغترته وعقاله , كان حقل التعليم جديدا على أهل قطر , وكانت مكانة المدرس عالية وقيمته الاجتماعيه في اعلى مستوياتها, كنا نخاف من معظم المدرسين الا من علي بن حسن الدرهم رحمه الله نشعر معه بأننا لم نغادر بيوتنا , ذلك الجيل والجيل الذي سبقه عانى كثيرا للالتحاق بالتعليم وشكل نموذج المدرس في وعيه وعيا مزدوجا فأما طاردا أو جاذبا لذلك لازلت أذكر ان كثير من متسربي تلك الفتره من المدارس كانوا ضحية لنموذج سلبي أوجده المدرس في أذهانهم , علي بن حسن الدرهم رحمة الله كان نموذج ايجابيا , استوعب خوف الطلب وأقام جسرا بينهم وبين آبائهم من خلال الثناء عليهم حتى وان كانوا مقصرين في واجباتهم و عيا منه بحرص المجتمع الشديد في تلك الفتره على تدريس أبنائهم حيث كان القول السائد " لكم اللحم ولنا العظم" تيمنا بإطلاق يد المدرس فيما يراه من ثواب أوعقوبه يستحقها الطالب دون الرجوع الى ولي الأمر, وكانت هناك تجاوزات في الحقيقه في تطبيق ذلك. علي بن حسن الدرهم رحمة الله كان واعيا تمام الوعي بذلك , سأله والدي مرة عني وعن أخي فأجاب "أولادك يابو خالد جايين خالصين من مدرسه علما وأدبا وأخلاقا" تجاوز عن تقصيرنا في الفصل ليرتفع بنا الى مستوى المأمول منا .
المدرس الحقيقي هم من يشعرك بالخجل من نفسك لتبدأ بعد ذلك في بذل الجهد والتفاني في التحصيل
كان الاستاذ علي بن حسن الدرهم من الرعيل الأول الذي خاض تجربة التدريس , ولحسن الحظ لم يشهد الانحدار الذي وصلت اليه هذه المهنه المقدسه فيما بعد , هناك العديد من المدرسيين القطريين الاوفياء والاكفاء الذين عانوا من تبعات هذه المهنه وأفنوا أعمارهم فيها , أتمنى لو كرم علي بن حسن الدرهم قبل رحيله , أتمنى أن يُكرم كل مدرس قطري كان مخلصا ومجتمهدا , أتمنى من المجتمع أن يرتفع بنظرته الى مستوى المدرس ك قيمة وليس كوظيفه , قرأت مؤخرا أن المستشاره الالمانيه ميركل أصدرت قرارا برفع رواتب المدرسين ليتجاوز رواتب الاطباء والمهندسين , فلما إحتج هؤلاء أجابت هم سبب وأنتم نتيجه . رحم الله الاستاذ علي بن حسن الدرهم أول مدرس قطري يخالج وعينا نحن طلبة مدرسة الريان القديم ويُضيق الفجوه بين البيت والمدرسه في أذهاننا الصغيره التي كانت تقيم فاصلا وحاجزا بين الأب والمدرس وتميل الى الشك بأن بينهما صفقة يأخذ فيها المدرس اللحم ويترك لوالد الطالب العظم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق