الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

سوق واقف ومفهوم الهويه والتاجر والسوق


دكان الخال ثواب بن تركي السبيعي رحمه الله , مجلس صباحي تحت لافتة دكان , اذا ذهبت الصباح ستجد العديد من شخصيات قطر في الدكان مجتمعين , يتناولون القهوه والشاي والحديث حتى قبل صلاة الظهر لينفض المجلس الدكان ,ويبقى الدكان التجاري ليعود االدكان مجلسا في الصباح التالي, كان مفهوم السوق مختلفا عنه اليوم , كان الرجل حينما يقول "باروح السوق" يعني سأذهب الى السوق لايعني فقط أنه ذاهب ليتبضع , بقدر ماهو ذاهب ليلتقي بغيره من الاصحاب والاصدقاء, لذلك هناك دكاكين او محلات لها صفه اجتماعيه اكثر منها صفة تسوقيه , لذلك تجد العديد من رجالات قطر يلبسون "البشت " حينما يذهبون الى السوق, دلالة على مكانة السوق ورمزيتة الاجتماعيه في ذلك الوقت لاحظ الفرق اليوم كيف يلبس من يذهب الى المولات و من ابناء قطر البعض وليس الكل ناهيك عن الجنسيات الاخرى , وبل ماذايعني ذهابك الى المول وبماذا يفسر ضمن تفسيرات أخرى ؟دكان الخال رحمه الله كان احد اشهر هذه المحلات التجاريه يلتقي فيها يوميا جمعا من شخصيات قطر , كالشيخ فالح بن ناصر والسيد عبدالله بن ناصر السويدي ووالد محمد بن خالد الخاطر و العم علي بن يوسف الخاطر وحسن المطوع والشيخ فهد بن محمد بن ثاني كثيرون ربما لاتسعفني الذاكره لحصرهم رحمهم الله جميعا, بل انني لازلت اذكر حادثة طريفه , حينما لزم الامر الى توقيع السيد عبدالله بن ناصر السويدي وزير المواصلات والنقل الاسبق الذي ترك مكتبه باكرا قبل ان يوقع على امر مستعجل وهام ينتظر ان يرسل الى الديوان الاميري , ولم يكن الموبايل قد ظهر في ذلك الوقت , فكان من احد الحلول ان نرسل مراسلا بالاوراق الى دكان الخال ثواب لعله يجده هناك وكان الاحتمال لدىً عاليا ومرجحا , وبالفعل ذهب المراسل الى الدكان ليجد الوزير قبل صلاة الظهر في دكان الخال ليوقع على الاوراق وتُرسل الى الديوان لاتخاذ مايلزم, في مقابل دكانه , كان هناك دكان للمؤذن العمادي وقريبا منه دكان للطريفي وكذلك دكان "لعيال ذياب ". قصة الخال رحمه الله مع التجاره طريفه لقلة من كان يفكر في التجاره والبيع والشراء من اهل قطر في ذلك الوقت , لما زرت سوريا في اواخر السبعينيات مع وفد طلبة الجامعه , وجدت العديد من تجار الملابس والغتر والعُقل والاقمشه عموما يعرفونه , ويعرضون علىٌ تسهيلات وخصومات اذا ما ذكرت لهم أنه شقيق والدتي,كان السوق في ذلك الوقت كما ذكر لي رحمه الله محتكر من قبل فئه متجانسه من التجار , وليس من السهل وليس مرحب ايضا من جانبهم قدوم تاجر او منافس جديد خاصة أنه "قبيلي" وليس من ابناء القبائل في ذلك الوقت من هو يعمل بالتجاره الا القليل وفي مجالات اخرى وليس مجال الاقمشه والثياب. انتهز الخال رحمه الله فرصة وجوده في الكويت في الستينيات على ماأظن برفقة الشيخ محمد بن على ال ثاني رحمه الله شقيق الشيخ احمد حاكم دولة قطر الاسبق, وطلب موعدا مع الشيخ سعد العبداالله وكان وزيرا للداخليه في ذلك الوقت, ليطلب منه السماح له برخصه لشراء بعض بنادق الصيد وكميات من المؤونه لها"الزهب أو الفشق"",ليجلبها الى قطر وتم ذلك بالفعل ليصبح من أوائل من يبيع السلاح "سلاح الصيد " في قطر ويصبح دكانه مقصدا لكل هواة الصيد والقنص الى جانب دكاكين اخرى "للنجاده" وكذلك دكان "الغزال" لبيع ادوات الصيد البحريه حتى قرار المنع لبيع اسلحة الصيد في الاسواق . السوق وأعني سوق واقف بالذات في الماض له رمزيه اجتماعيه لم تعد موجودة اليوم, كان يمثل جزء من ثقافة المجتمع ومن شخصية القطري , سوق واقف الجديد لم يعد كما كان ايام دكان الخال , اليوم تشعر وانت في وسطه بأنك ضمن ثقافة اخرى , ليس من ناحية الزي فقط ولكن من ناحية التصرفات والسلوكيات, الجديده بعد تلك التي كانت تعكس حقيقة المجتمع القطري , ما يحزنني هو ذهاب رمزية السوق والتاجر معا , لم يعد السوق يرمز الى المستوى الحقيقي لمعيشة المواطن ولم يعد التاجر نبيلا الى درجة ان يكون يجمع بين انسانيته واجتماعيته وبين السعي وراء الربح بأي ثمن , طغت الماده بشكل جارف على السوق وعلى التاجر, أعتقد أن سوق واقف كان يعبر عن التراث سابقا اكثر منه اليوم رغم تجديد شكله نحو التراث الا أن روحه التراثيه ذهبت مع ذهاب دكان الخال والدكاكين الاخرى التي كانت معه,كان يأتيه أهل قطر تواصلا , كان يأتونه إتصالا بالثقافه بالدرجة الاولى , ثقافة الاجتماع والتواد والمشاركه قبل أي شىء آخر , اليوم يفتقد الروح ويفتقد رائحة البخور والعود الطيب في دكاكين تجار ذلك الزمن مقارنة بدخان الشيشه الكثيف المؤدي الى الاختناق والسعال. ويفتقد اغاني عبدالله الفضاله و اصوات محمد بن فارس اللي يبيعها "بومرداو" والتي تسمعها حين عبورك لدكانه خارجا من السوق , اليوم ضجيج الاغاني اللبنانيه الحديثه التي تبث في غيرها موضعها ولابيئتها , يتسلل الى مسامعك قسرا شئت أم أبيت فلا يترك لك الفرصه حتى تستعيد ذاكرةالمكان ولا ذكرى الزمان الجميل بمن كان فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق