الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه-الحلقه الرابعه


8 – وعي الهزيمه وإنكار الذات
كنت في المجلس مع الوالد وبعض اهل الريان كالعاده بعد صلاة العصر حيث كنانجلس لتناول القهوه و الشاي, إلا أن اليوم كان مختلفا إنه الخامس من حزيران عام 76, وكانت مهمتي الذهاب بين حين وآخر لإستماع الى الاخبار من المذياع الكبير ذي البطاريه الزرقاء الضخمه خلفه والعوده الى المجلس لإخبارهم عن تطورات الحرب كما كنا نعتقد أولا , بينما هي في الحقيقه ضربة جوية قاصمه انتهت المعركه في الساعات الأولى, وفي كل مره أخبرهم بعدد الطائرات التي أسقطت لإسرائيل, واسمع كلمة "بعَدي"أي أحسنت من الجالسين , واستمر الوضع حتى إنفض المجلس قبيل المغرب , لنكتشف في اليوم التالي هزيمة بحجم الجبال الراسيه. كان المد القومي الناصري من القوه بحيث وحد الاجيال , فكبار السن كانوا أكثر حماسا من الشباب والصغار, لازلت اذكر الشاعر القطري الشعبي الكبير سعيد بن المحرول وهو يبكي الهزيمه , وعبدالناصر بعد ذلك , والمرحوم سالم بن على المحشادي " بوعشوان " وهو يرفض الهزيمه والمطروشي صالح وهو يكذب الاخبار من شدة إيمانه بالعروبه التي لاتُهزم, هؤلاء كانوا بعض رواد مجلس الوالد رحمهم الله جميعا, كانت الاحوال الاقتصاديه متواضعه جدا , لكن كانت الحياه تعقوم على المعنى أكثر من الماده, تفاعل اهل الريان مع الهزيمه بطريقه وطنيه بعيدا عن اي ايديولوجيا او تأنيب ضمير , وتطوع العديد منهم للذهاب للقتال مع صفوف المقاومه أذكر منهم الاخ فالح زويران الدوسري والاخ محسن سعيد السبيعي , كنت في صيف الانتقال من الابتدائيه الى الاعداديه, حيث قامت بعد ذلك حرب الاستنزاف التي ارهقت اسرائيل حتى عام 69 وطلب اسرائيل الهدنه , وفي عام 68 افتتحت إذاعة قطروكان يوم ثلاثاء على ما أذكروبصوت المذيع زهير قدوره شعور جميل احسست به تلك الليله وكأنها تتكلم بإسمي شخصيا. في تلك الاثناء كنت أمارس كرة القدم, في الريان الاأنني لم ألتحق بالنادي رسميا, وسبق للوالد على بن حمدالعطيه أطال الله في عمره أن طلب من أخي خالد إحضاري للتسجيل لنادي السد وبالفعل حضرت معه في منزل الوالد على , وغادرت بعد ذلك بمعية الامير الوالد وكان لايزال في الجيش الى مدرسة طارق بن زياد لمتابعة تمرين نادي السد , وسبق للأخ محمد بن مبارك وكان مسؤولا في نادي السد أن أقام عشاء لي برفقة أخي عبد الله ضمن هذا النطاق كذلك, إلا انني كنت ولا أزال لا أهوى ولا أحب الاضواء والشهره والظهور حتى إعتزلت الكره في عام 74, ربما بالامكان إطلاق مسمى رجل ظل علىً بأريحيه , الأمر الذي اضاع على كثيرا من الفرص في مجالات عديده على كل حال , كنت بالإضافة الى ذلك أستمع ليليا الى صوت العرب واتتبع باستمرار الاستعدادات للمعركه القادمه بين الأمة والعدو الاسرائيلي. وفي ليلة 28 من سبتمبر عام 70 كنت كالعاده في حوالى الساعه الثانية عشرة بعد منتصف الليل ,أستمع الى صوت العرب حيث قُطع الارسال , وتحدث المذيع عن بيان هام لنائب رئيس الجمهوريه محمد أنور السادات,فإذا بصوته الرخيم المتعب "فقدت الجمهورية العربية المتحده وفقدت الأمه العربيه , وفقدت الانسانية كلها , رجلا من أغلى الرجال ,أشجع الرجال هو الرئيس جمال عبد الناصر" لم استوعب الخبر لأنه صادم وبلا مقدمات, والكل حولى نائم والسكون يخيم وكنا ننام في غرفه كبيره أنا وأخواي فهد وتركي حفظهما الله, لم ادر ما أفعل وحتى الصباح وقت الفطور لم أتكلم حتى سالني والدي فبكيت وأخبرته فرد بإيمان عميق إنا لله وإنا إليه راجعون"
كان ذلك بعد أن انهيت الصف الثالث إعدادي وسانتقل الى المرحله الثانويه ولم يكن في قطر سوى ثانويه وحيده , هي ثانوية الدوحه في رأس بوعبود. السؤال الذي كنت اطرحه على نفسي , لكن كنت اخشى الاعلان عنه في حينه وفي تلك المرحله بالذات هو : هل كنا على صواب حين أنكرناالهزيمه ؟ وهي متحققه . كان والدي رحمه قد تم تعيينه مشرفا في إدارة الصحه العامه التى كانت تقوم بدور الوزاره في فريج عبدالعزيز, وكنت أذهب مع أخواي فهد وتركي في الصيف معه إلى المكتب , واذكر إضرابا لسائقي سيارات النظافه مطالبين بتحسين أجورهم, كان والدي رحمه الله من يفاوضهم للعوده للعمل مع النظر في طلباتهم.في الصف الأول الثانوي بمدرسة الدوحه الثانويه برأس أبي عبود كان المشوار طويلا من الريان الى المدرسه إلا ان الطرق كانت سالكه وميسره , وكان فصلنا يطل على فندق الخليج الذي كان في مرحلة الانشاء , وأذكر من زملاء ذلك الفصل محمد بن ناصر الكعبى السفير حاليا, والاخ محمد بن عيسى المهندي الوزير السابق, والاخ محمد بن مبارك المهندي السفير في الخارجيه والاخ سعيد بن زايد الخيارين رئيس المخابرات السابق.كان لي دور ثان في مادة الكيمياء في تلك السنه واجتزته وانتقلت للقسم الادبي في الثاني ثانوي حيث كنا مع حدث كبير وقاس على أهل قطر وأهل الريان بالاخص في بداية ذلك العام72 وفي شهر فبراير منه وهو غرق اليخت "الريان" بمن فيه ومعظمهم إن لم يكن كلهم من أهل الريان فكان الحادث المؤسف ريانيا بإمتياز, الأمر الذي سيتلوه حدثا سياسيا كبيرا وهو ماسمي بالحركه التصحيحيه وتولي الشيخ خليفه مقاليد الحكم في البلاد.
إنتهت الحلقه الرابعه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق