الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

"حول الإنسان وذاكرة المكان" مذكرات ريانيه –الحلقه السادسه


11- توافق الجامعه والمجتمع
أحببت كثيرا مادة علم الاجتماع عن طريق أستاذها الدكتور سيد الحسيني رحمه الله الذي كان يدرس النظريه, وتخصصت في السنه الثانيه فيها حيث كانت تُدرس مع تخصص آخر هو الخدمه الاجتماعيه, وكذلك إستهوتني مادة علم النفس الاجتماعي التي كان يدرسها الدكتور محمد أحمد سلامه , وهو أحد الاساتذه الذين أحببتهم كثيرا لتمكنه الكبير من الماده ولغته العربيه الرفيعه و ولازلت أذكر وصفته الدائمه لنفسيه إجتماعيه سليمه, وهي إجتناب العزله حيث كان يقول لنا"العزله هي بداية اللامعقول", وكذلك كنت أفضل محاضرات الدكتور حسن عبدالظاهر رحمه الله في الثقافه الاسلاميه , .ميزة جامعة قطر في سنينها الأولى هي قلة الطلبه وتمكنهم من الاستاذ والماده نظرا لذلك , مقارنة بما رأيته من زحام وتراكم وضيق وازدحام في قاعات جامعة القاهره , فكانت فرصه كبيره لنا في ذلك الوقت للإستفاده بشكل مكثف من تلقي الماده مباشرة من الاستاذ في جو مريح, لم تخرج جامعة قطر في ذلك الوقت عن إطار تفكير المجتمع بشكل يجعلها قادره على توجيه بنيته الاجتماعيه من خلال طلبتها وخريجيها نحو مزيد من الانفتاح ومزيدا من التقبل للإختلاف ,بل اعتقد أنه كان أكثر تلقائية منها في هذا المجال, كما سنرى لاحقا, على كل حال , كان جميع الاساتذه والمدرسين إلا ماندر من جمهورية مصر العربيه , حيث طاقم إدارة الجامعه كله تقريبا من جمهورية مصر العربيه , وتلك أعتقد كانت نقطة ضعف لمستها فيما بعد, فأذكر استاذا جاءنا زائرا وهو امريكي من جنسيه عراقيه, ويدعى أياد القزاز وهو استاذ علم الاجتماع في جامعة سكرامنتو في الولايات المتحده , حيث أوضح لنا أن معظم كتب الاساتذه العرب عباره عن ترجمات لكتب غربيه , واستغرب كيف لم ندرس النظريه الماركسيه في مقرر التغير الاجتماعي وهي من أهم النظريات في هذا المجال, وكنت من أكثر المستفيدين منه وطالبنا بإستمراره لمدة أطول إلا أن رئيس القسم الدكتور سيد أبو بكر رحمه الله لم يوص بذلك رغم رغبة الطلبه, كما إشتكى لنا أحد اساتذة علم الاجتماع من الجزائر او المغرب على ماأعتقد من سيطرة الاخوه المصريين على الجامعه ,في حين وجدت من خلال محاضرته الوحيده جانبا جديدا مختلفا عن ما ندرس في تناوله للظواهر الاجتماعيه, بل أن الدكتور عبدالله الكبيسي"ليس الاخ الدكتور عبدالله جمعه الكبيسي مدير الجامعه لاحقا, وانما أحد أبناء عمومته " أستاذ علم الاجتماع وهو القطري الوحيد الذي كان استاذا جامعيا في الولايات المتحده الامريكيه عن طريقه بعثة من شركة أرامكو لتدريس ملتحقيها في أواخر الخمسنيات فدرس وعاش هناك. فأحضره الديوان الاميري لقطر رغبة من امكانية الاستفاده منه. كان غير مرحب به من قبل الكادر التعليمي المصري بالأخص , وكان محاضرا باللغه الانجليزيه , "ماينفعش" هذه الكلمه سمعتها من استاذ مصري كان حاضرا معنا اثناء إلقاء الدكتور الكبيسي رحمه الله لمحاضرته باللغه الانكليزيه , مترجما إياها لنا الدكتور سيد الحسيني .
في تلك الاثناء كانت الاستاذ القطري الوحيد في الجامعه على ما اعتقد الدكتوره جهينه سلطان سيف العيسى والدكتوره لطيفه الحوطي الكويتيه المتزوجه من قطري. كانت الدكتوره الفاضله جهينه تدرسنا مادة "التحديث في المجتمع القطري" واذكر انها طلبت منه بحوثا في هذا الخصوص , وقد قدمت بحثا صغيرا بإسم "النظره الدونيه للعمل اليدوي في قطر " فحاز على رضا وموافقة جميع الفصل حينما طلبت تحديد البحث الاكثر إتفاقا حوله.
12- الجامعه الشعبيه التقليديه أكثر إنفتاحا
خارج إطار الجو الاكاديمي كان هناك جوا ثقافيا شعبيا غير رسمي حرصت كما حرص غيري على حضوره والتمسك به وهو "جلسة العصر" مع كبار السن من اهل الريان , حيث كان مجلس و"دكة" و"حبس" عبدالله بن محمد بن فهد الخاطر رحمه الله يقع في مكان مرتفع في شمال الريان وجميع أهل الريان والغرافه والريان الجديد يعرفون ذلك المكان ويقصدونه حبا في صاحبه لما يمتلك من كرم وحسن خلق وتواضع , وأيضا هناك العديد من المجالس لان اهل قطر كلهم أهل مجلس وكرم ضيافه إلا ان مايميز مجلس عبدالله بن محمد التركيبه الانسانيه التي يحتويها كما سنرى وكما كنت ألاحظ, كان من رواد مجلس عبدالله بن محمد رحمه الله شبه الدائمين, بالاضافة الى والدي وابناء وإخوان المرحوم شيوخ الغرافه , فهد بن محمد بن ثاني وعيد بن محمد رحمهما الله وعويضه بن محمد أطال الله في عمره, كما كان هناك أيضا احمد بن محمد البادي رحمه الله وهو من رجالات قطر المعروفين والزعيم محمد بن عبدالله العطيه وأخيه خالد بن عبدالله العطيه في بعض الاحيان , ومحمد بن عيسى الخليفي وإبنه عيسى,وعبدالكريم بوصبار شقيق المطرب المعروف, والجيران من المسافره الكرام , فيصل بن طشال , وسلطان بن سعد رحمهما الله , و كذلك هناك عامر العماني الذي يعيش في كنف عبدالله بن محمد والذي عاش في قطر ومات فيها ولم يتمكن من الحصول على جواز سفر يسافر به , فهو لم يدرك بلده عمان , ولم يحصل على الجنسيه القطريه فعاش بجنسيته الانسانيه فقط رحمه الله , الطريف أن كل من زار هذا المجلس يصبح من رواده , فتجد الدكاتره , ناجي كمال ناجي اخصائي الانف والاذن والحنجره , وأحمد كمال ناجي شقيقه الطبيب كذلك الى جانب راعي الابل , والصقار , وتاجر الاغنام , تجمع عجيب شبه يومي في مكان واحد , حليب الأبل كان زادا مشتركا وكذلك وجبتي العشاء والغداء من اللحم ومن "الهروف" اللذيذه الى درجة أن أحد الاخوه الفلسطينيين وكان يدعى "سميح" ويمتلك كراجا في الريان "كان يسمي المجلس "الملحمه. واذا سألته أين اللقاء أجاب في الملحمه. هذه الخلطه الآدميه الانسانيه على اختلاف توجهاتها وثقافاتها ومراكزها الاجتماعيه تجتمع في مكان واحد , كنت ولازلت اعتقد ان إزالة الريان القديم خطاأ كبيرا بحق الثقافة والتاريخ , والبدع كذلك, والرميله , هذه مناطق تاريخيه لاتزال وإنما يحافظ عليها لكي يحتفظ المجتمع بذاكرته, حين توفى عبدالله بن محمد رحمه الله سمعنا كلاما عن النيه في ابقاء مجلسه لدوره وتاريخه في هذه المنطقه من وطننا العزيز إلا أنه ذلك لم يتحقق, وهناك الكثير من المساكن والمجالس لأهل قطر التى كان يفترض الابقاء عليها كآثار تذكرُ بثقافة أهل قطر المنفتحه على الآخر,دينا ولونا وعرقا والتى كان مجلس المرحوم مثالا واضحا عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق