الأحد، 25 أكتوبر 2015

المواطن والمقيم: من التخصص إلى الزبائنيه

يعود الطالب فرحا بشهادته العلمية وبتخصصه الفني أو الأدبي ممنيا النفس باستثمار ما تعلمه في خدمة مجتمعه ويأتي بحماس نادر

وبشوق عامر لتبوء مكانه بعد ان كلف الدولة الكثير من المال في سبيل تعليمه ويأتي ليرد الجميل لدولته ولمجتمعه. على الجانب الآخر يأتي الآخر سواء كان عربيا أو أجنبيا، يأتي بتخصصه النادر أو المطلوب سواء طبيبا أو مهندسا أو اداريا على مستوى عال، يأتي ليخدم مقابل أجر متفق عليه وامتيازات منصوص عليها كذلك. ينغمس الاثنان في ميكانزمات المجتمع المسيرة له. يحاولان الاثنان الاتفاق مع شهادتيهما العلمية ما أمكن، وحيادية العلم أمام الوظيفة. بعد فترة، يصبحان أما موقف محير، أما التأقلم مع ميكانزمات المجتمع المسيرة له وأما التوقع والجمود للمواطن وأما عدم الاستفادة القصوى التي تفوق ما نصت عليه العقود أمام المقيم القادم للعمل. إذا كانت ميكانزمات المجتمع المحركة له ولمواقعه الاجتماعية غير حساسة للتعليم كضرورة لبناء المجتمع وهي خاصية واضحة في مجتمعات الريع، وإذا كانت المعايير غير موضوعيه بل خاصة كل الخصوصية، يتألم المواطن المؤهل، وسيفرح المقيم القادم على الأغلب خاصة اذا كانت لديه القدرة على التأقلم السريع مع الوضع الجديد، رأيت أطباء نسوا الطب والتحقوا بموائد الكبار، زادت أوزانهم وترهلت أجسامهم، رأيت بعضهم يسأل عن أسم المريض أولا وعن منصبه حتى يكشف عليه، لقنه المجتمع آلياته فتخلى عن مهنيته، في جميع المجالات وليس الأمر مقصورا على الطب، بل رأيت وسمعت عن مواطنين مؤهلين منهم المهندس ومنهم الادارى والاقتصادي انخرطوا في نشاطات تطلبتها ميكانزمات المجتمع الريعي وموائد الثراء السريع كرياضه وتربية الإبل ونشاطها، أو التجارة السريعة كوسطاء وعلاقات عامه إذا كان ذلك سيقربهم من صانع الميكانزم أو الآلية المسيطرة في المجتمع. ليس حرجا أن يعمل الفرد على تطوير ذاته وإمكانياته، بل الحرج على المجتمع الذي يجعله في تصادم مع قناعاته وتوجهاته ويجبره على مسايرته لكي لا يبدو شاذا عن الوضع العام، قد لا يكون ذلك كبيرا على المقيم المغادر بعد انتهاء عقده وبعضهم لا يرحل حتى وان كان على حساب تخصصه ومهنيته لأنه وجد البديل، بعضهم فك ارتباطه مع مؤسسته في بلده كمعار ليبقى إلى الأبد هنا فالأمر مغر فلا يتطلب سوى التوافق مع آليات المجتمع ومعرفة مفاصله والتقرب لهم أولا كمتخصص وبعد ذلك ربما كشريك أو موظف له مواصفات لا تتوافر في المواطن "ارجو ان لا أعمم هنا، فهناك الشريف والمهني والمتخصص المسؤول ولكنه السمت العام الملاحظ على فتره ليست بقصيرة" يبدو الأمر حرجا بصوره اوضح للمواطن إن استمر على مهنيته لم يخسر ذاته ولكنه أقل حظا وحراكا من الآخر المتأقلم ولا ننسى هنا أن الأمر قد يتطلب منه تحريك وظيفته بشكل يجعلها مسخره بصوره فئوية وليست وطنيه لكي يستمر ويزدهر بمعنى اخراجها من طابعها المهني وابعاد شبح شهادته العلمية عن تصرفه. هناك من يتأقلم ولكن هناك العديد كذلك يتألم. شروط المجتمع الخليجي المختطف تاريخيا بمعنى انه يسير عكس تياره، تتطلب نزولك في نهر العلم المتدفق بشرط أن لا تبتل به وإلا نزعت السحر عن شطه وفضحت أسرار بقاءه ومنعته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق