الاثنين، 3 أكتوبر 2016

الشخصية القطرية وثلاثية الريع و القبيلة والمدينة






سبق أن كتبت مقالا عن الشخصية القطرية لم ينشر  خارج المدونة , هذا المقال يُعد استكمالا له يبين الخطوط العريضه لملامح الشخصية القطرية  الحالية.
أبهرت الشخصية القطريه في السنوات القليلة الماضيه العالم , فمن جهة قطر من أصغر دول العالم مساحة وسكانا, ومن جهة أخرى أكثر البلدان تأثيرا وصخبا إعلاميا تكاد تكون قبلة المتخاصمين والمتآلفين كذلك, برزت شخصيات قطرية على المستوى الاقليمي والعالمي  ولايزال تأثير بعضها فعالا  واسما مدويا في دهاليز السياسة والاقتصاد على الصعيد العالمي.
تشكلت الشخصية القطرية عبر إنسياب تاريخي من شظف العيش في الصحراء وقيمها  الى ريع النفط  وتأثيراته الجانبيه , ومن سماحة الدين الى التعايش مع تلاوين الدين السياسي في سباته وفي يقظته.وفي الحديث عن الخصائص العامة للشخصية القطرية تبرز فكرة"التلقائيه" كفكرة محوريه في التعامل مع الأحداث, تلقائية رجل الصحراء الموقن بعدالة السماء والمتوكل على الله في جميع أفعاله وخطواته.أحدث قيام الدولة سياقا آخر  الى جانب سمات الشخصيه القطرية لتمرير وجود الدولة فكان محاذيا لها ولم ينشأ من  داخلها وإنما لبسته لباسا , جعل من السهل لاحقا  أن تبرز تضاريسها  بشكل أكثر حدة بعدما تراجعت فكرة الدولة الوطنية من الاذهان  بتأثير الريع  وسرعة السير والقفز احيانا لتحقيق  أهداف كبيرة وضخمة  لاتتماثل وحجم وعدد السكان, فسياق الدولة كان له المجال بعد الاستقلال,  عندما ظهرت طبقة وسطى  حكوميه هشه, تحمل قيم الطبقة الوسطى  وتتمتع بقدر من الاستقلال الثقافي والمادي الى حد ما  بموافقة الدولة, وبرزت مؤسسات الدولة الحكوميه وطبقة من موظفي الدولة الكبار لهم مكانتهم وأماكنهم الرسميه والترفيهيه وتميزت هذه الفتره بتدرج في التغيرات  فمثلت تلك الحقية حقبة من الاستقرار  على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.إلا انه بعد ذلك حصل تغيرا راديكاليا  كبيرا  في التحول من قيم المدينه الذي زرعتها الدولة مع بداية قيامها  الى قيم الريف والبداوة فنزحت الخيام على المدينة أو جرى بالاحرى خيمنة المدينة.ولا يستطيع أحد أن ينكر دور القبيلة  في مجتمعاتنا العربية قاطبة , ولكن قيم القبيلة أسمى شانا من كثير من قيم البداوة ويلاحظ بعد ذلك غياب أوتراجع ظهور سياق  الدولة كماهو في السبعينات والثمانينيات من القرن المنصرم  أمام سياق التراث الذي لم نستطيع تحديده بصورة مثلى تجعل منه معاصرا ضمن قيم الدولة , مما ادى الى تغير واضح في سمات الشخصية القطرية, فتغلبت قيم التراث  في صورتها البدويه على قيم المدينة, وأصبحت صفة التحضر تقترن بالبحر وأهله ونشاطاته , ولم يكن هناك ربطا واضحا لقيم الانتاج   ضمن الشخصية القطرية الجديدة وانما استعيض عنها بممارسة  هوايات التراث التي كانت يوما تٌعد اعمالا إنتاجيه .فبرزت قيما انتهازية جديده  للتحايل للوصول الى  مصادر الريع  , وسيطر فكر الغنيمة على المجتمع  طالما كان الموضوع مجرد إعادة لاإنتاج  وتوزيع لا  إستنبات وزرع.وكانت مثل هذه القيم التي  كانت  قيما انتاجيه  في السابق إلا انها اليوم كرست ثقافة الغنيمة اكثر من ذي قبل ., مع تراجع دور الوظيفة الحكومية امام الوظائف الانتهازية كذلك  برز مفهوم آخر هو مفهوم الهيمنة ليس في المجال الاقتصادي والمالي حيث الريع المادي بل في المجال الاجتماعي كذلك فلم يكتفي الفرد بالعائلة ولا بالقبيله بل الى المرجعية القبلية الاولى  في قبائل الجزيرة الكبرى  فاصبحنا أمام ريع إجتماعي لاينضب , في حين اصبحت العلاقات عمودية بشكل كبير داخل المجتمع  حيث أفرزت العلاقة الجديدة المتكونة من ثنائية الريع الاقتصادي والريع الاجتماعي الذي ذكرت, نمطا في العلاقه العموديه القائمة على مستوى الاستفادة بين اطرافها بحيث يتسع المجال لريوع اقتصاديه واجتماعيه جديدة كلما  تضخمت المنفعه بين اطراف العلاقه لذلك رأينا فقاعات اقتصاديه كبيرة  تتكون في يوم وليلة ويزداد تأثيرها يوما بعد آخر داخليا واقليميا وعالميا, فإنضوت الدولة داخل هذه العلاقات بشكل خجول وبدا موظفها  أقل من أن يذكر أوأن يشار أليه, مما افقد المجتمع خاصية التراكم الاداري القادر على التشغيل الذاتي  فالجميع يتعامل  مع الرأس  ويذهب هو ويبقى الرأس  وهكذا مما أفقد الادارة خاصيتها في التراكم الايجابي للخبرة  والانتاجيه, ثم تصاب الذاكرة الجماعية في مقتل بعد إزالة فرجان تاريخية بأكملها ويبقى انسانها  محتفظا بذاكرتة  الى حين ثم ينتهي التاريخ ليبدأ من جديد مع جيل آخر, بلا شواهد تاريخية لاجياله السابقة , الأمر الذي يجعله في موقف لايحسد عليه مع القادم الجديد  الذي اصبح مساويا له  ماعدا مايمتلكه من  الصور في الذاكرة   عن الماضي وشخوصة.
إن الهدف من هذا المقال هو التذكير  وجلب الانتباه الى الشخصية القطرية فهي لاتزال تمتلك الكثير ولاتزال تمتلك البنية التحتيه والمادة الخام اللازمة للتكيف والتحول ضمن برنامج وطني شامل تتولاه الدولة لإعادة إحيائها من جديد, فقد صمدت هذه الشخصية  في الماضي أيام الفقر والعوز, ونجحت في إثبات ذاتها والمحافظة على وطنها وكيانها والدفاع عن ترابها, وهي قادرة اليوم على التكيف من جديد بشرط عدم استلابها وبقليل من الثقة فيها وفي قدرتها بل وحقها في أرضها ومكتسابتها وثروتها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق