الاثنين، 5 نوفمبر 2018

لماذا سقط الوكيل؟


 

ذكرت في مقال سابق أنه  التجربة الادارية الحكوميه خلال العقود السابقة, أظهرت أن هناك في الاغلب صراع بين منصبي الوزير والوكيل في الجهاز الحكومي, وبالتالي خلال العقد الماض حتى الآن كان هناك تركزاً واضحاً لمنصب الوزير  وإنسحاباً تدريجياً واضحاً لمنصب الوكيل, بحيث إختزل منصب الوزير الذاكرة الادارية والسياسية للمجتمع, في حين أصبح منصب الوكيل  يحمل أثراً سلبياً في النفس  حتى أن بعضهم يلجأ الى التبرير أن عُين أو قَبل أن يكون وكيلاً, وأصبح بالتالي منصب الوكيل لغز يحتاج الى فك, هذه ظاهرة خطيرة في إعتقادي, حينما يسعى ويصبح هَم الوكيل الاول هو  الحصول على درجة وزير كدرجة, مبرراً ذلك بأن الجميع حصل على درجة وزير , هذه "الريعية" لدرجة الوزير , جعلت من منصب الوزير نفسه"ريع" وبالتالي حولت منصب الوكيل الفني الى مجرد زيادة , وجوده وعدم وجوده سواء.غياب منصب الوكيل يخل  بالهيكل التنظيمي للوزارة ويجعل العلاقات الادارية فيها  في فوضى كبيرة  ويدخل الوزير في متاهة  يتحول معها من راسم سياسة الى مأمور ضبط, غياب منصب الوكيل من الذهنيه الادارية أكثر خطراً من غيابه الفعلي في الواقع , أُشبه الوكيل في الوزارة بضابط الايقاع  الذي يجعل من الوزير يبدع  لأن الايقاع متناغم  والاوكسترا  في إنسجام ,والاخطر من ذلك أن المجتمع بجميع مستوياته أصبح يتهافت على درجة "وزير" فقط إبحث عن  من يُسلك لك الطريق , هذه الريعية أطلقت عقلية استهلاكية  داخل الجهاز الحكومي ذاته  وأصبح حتى التقاعد قبل نيل ذلك يُعدُ إنتحاراً أو أنك لم تحقق شيئاً يذكر في حياتك , داخل كل وزارة هناك منظومة  تعمل ضمن الهيكل الاداري  الذي يوزع الصلاحيات  ويلعب منصب الوكيل دوراً حاسماً لاغنى عنه في توصيل القرار الاستراتيجي الذي يجب على الوزير إتخاذه, هناك من يدعو الى أن  لقب  "معالي" يجب أن تُعطى  للوكيل ليصبح معالي الوكيل  لأنه الاكثر  ثباتاً من الوزير السياسي  والاكثر  استمراراً للحفاظ على  تراكم الخبرات في الوزارة , بينما عندنا يختفى من الذاكرة الادارية للمجتمع ويبقى منصبه شاغراً تتلقفه الايدي  من كل ناحية وصوب ويجتاز الادنى والمقرب ذو الحظوة ويقوم بدوره مدير المكتب او رئيس العلاقات العامة. في التشكيل الوزاري الاول  وحينما رأت الحكومة في وقتها رفد الوزراء كبار السن من الوجهاء  بعدد من الوكلاء المتعلمين, حدثت طفيره كبير لمنصب الوكيل , وكان هَم المتعلمين والخريجين حينذاك  الترشح او الاختيار لمنصب الوكيل لديناميكيته  واهميته , في السابق كان دور الوكيل طاغياً على دور الوزير, والآن تلاشى تماماً أمام  منصب الوزير , في الحالة الاولى يمكن التبرير أن المجتمع كان لايزال يُعطي الوجاهة الاجتماعية أهمية كبرى  حيث المجتمع يحتاجها  وظيفياً لملامسة همومه واحتياجاته, وأحتاج الى ديناميكيه  لتحقيق ذلك  من خلال منصب الوكيل الذي  يدير العمل  داخلياً , ولكن الآن لايمكن تبرير غياب منصب  الوكيل بهذه الصورة إلا  أنه تمظهر لظاهرة "الريع"  في شكل إجتماعي وشمولي واضح وأخشى أن تستمر  بحيث  يصبح لقب الوزير ليس "معالي"  وإنما معالي العلامة الوزير الذي يختزل الوزارة  في لقبه وفي منصبه.

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق