الثلاثاء، 21 يونيو 2016

يوميات حفار"قبور"



أوقظوني اليوم باكرا, علىَ ان أحفر قبرا لشخصية قالوا عنها أنها مهمة, لاقيمة للأهمية عندي فوظيفتي تتسم بالعدالة مع جميع الزبائن , جميع الزبائن عندي على قدم واحد من المساواة, الفرق فقط في الأسم.لكن اجراءاتي واحده  تبدا بالحفر وتنتهي بإهالة التراب  على الميت في الحفرة التي حفرتها .,أذكر قبرا حفرته لأحد المتوفين لم يصاحبه  من المشيعين سوى ثلاثة أشخاص أو أربعة, لكنه كان من أسهل القبور حفرا وكأن الارض تحتفي بمقدمه , ياتي لزيارته بين حين وآخر شخص واحد يقف طويلا أمامه ثم يذهب,بعد أن يسلم علىَ ويمد يده لي ببعض الدراهم, في إحدى المرات سألته عن المتوفي قال :هو والدي ,أنا إبنه الوحيد, سألته هل كان معدما قال لا,لقد كان صاحب منصب كبير وكان حوله رجال كثير ,لكن ضميره  إصطدم  مع كثير من متطلبات منصبه , حيث كان على ثغر من ثغور المال العام , فترك المنصب إنتصارا لضميره وآثر الابتعاد حتى نسيه المجتمع السريع الخطى , وتوفى فجأة قبل أن يسعفني الوقت  لتنشيط ذاكرة الناس حتى يستعيدون ذكراه. 

نظرا لطول فترة عملي كحفار للقبور , اصبح لدىَ معيارا خاصا بي  كمعايير البشر في  الحكم على الاشياء  انطلاقا من مايظهر لهم ويبين أمام أعينهم, فهناك من اشعر بسهولة كبيرة في حفر قبره , وآخر  يستغرقني كثير من الوقت والارهاق حتى أكتمل عملية الحفر , يقفز الى ذاكرتي , ثقافة مجتمعي التي ذكرت , فينساب صوت في داخلي  قائلا : هذا حسابه سهل , وآخر حسابه أصعب.

ذهبت الى المقبره وبدات في حفر القبر للشخصية المهمة , بعد ان جاء من يحدد لي مكان القبر بالذات, مجموعات كثيرة من الناس بدأت تصل الى المقبره قبل وصول  جثمان الميت  ظلت خارج المقبره تنتظر وصوله , جاءت به سيارة إسعاف , تسابق الجميع على حمله, بعدإكتمال الحفر بدانا في الدفن , ومن ثم الدعاء له كالعاده , ثم بدأ الجمع في تقديم العزاء لذويه بشكل عشوائي داسوا على القبور  وتزاحموا على أحد أبناءه الذي كان احدهم وزير والآخر رجل أعمال بارز, بشكل أساء لحرمة الاموات, لمحت مجموعه تقف بعيدا في المقبرة ذاتها وتفترش حول شىُ ما , ذهبت لاستطلع الأمر وجدتهم يفترشون رسما مساحيا كبيرا لمجموعة كبيرة من الاراضي المقسمه  للبيع , ويتداولون الاسعار  فيما بينهم ,عرفت "الدلال" السمسار الذي كنت دائما أجده حاضرا عند وفاة  بعض الشخصيات التي يطلقون عليها صفة "الأهميه".  جميع المشيعين اما ذهبوا حالا مع ابناء الميت أو إنضموا الى حلقة الدلال التي تأخرت بعد ذلك وقتا ليس باليسيرإلا أنهم إنقلبوا الى أهليهم فكهين بعد ذلك

من يتعامل مع الموت دائما ومباشرة  , يقيم مسافةَ  بينه وبين الدنيا بحيث  لاتفترسه , رغم صعوبة المهنه وعدم تقبلها إجتماعيا والنفور منها  عندما ادخل المجالس لايُرحب بي , بل ربما يتشائم البعض من رؤيتي,أعلم أن مهنتي في طريقها الى الزوال والانتهاء اليوم  بعد اعتماد الحفر والدفن آليا"بالشيول المتحرك" , لكن ما يشغلني هو تاريخ مهنتي هل سيشفع لي وأجد من يشيعني ويضعني  في قبر  الى جانب مئات القبور التي حفرتها وهل سيكون هناك من يشيعني  وقد كانت حياتي أصلا بين الاموات , حيث لادنيا ورائي تركتها ,ولا حتى تركت الناس في غفلة من تذكر مصيرهم المحتوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق