الخميس، 14 أغسطس 2014

مسجد ومطوع "الفريج"


في "فريجنا" كما في باقي أحياء دولتنا الحبيبه , كنا نهرع الى المسجد بعد سماع الآذان لاداء الصلاه بتلقائيه , نترك ماكنا نلعبه ونمارسه ونتعلمه , هذه التلقائيه كانت نابعه من تلقائية المسجد ذاته ومطوع المسجد البسيط المحبب الى الجميع ,لم تكن قدسية المسجد قد استخدمت لتمتد الى خارجه , ولم تكن سلطة المطوع تعدت المسجد وأصبحت نجوميته تضاهي نجومية فريد شوقي وأفلام الكاوبوى والأكشن في ذلك الوقت التى كانت تمتص انفعالات الشباب بشكل أقل خطرا على المجتمع من نجومية مشايخ المسجد اليوم التي توجهها الى الذات, بدلا من إعلائها , كما كان سابقا, كان دور المطوع والمسجد سابقا في انسنة العلاقه,وليس إضفاء الهويه الضيقه عليها.مطوع الفريج تستضيقه جميع مجالس أهل الفريج, وغالبا كن مطاوعة ذلك الزمن من أهل "فارس" يندرجون في تدين أهل الفريج ويتكيفون معه, ليس لهم صلة بالشيوخ الا ماندر,لأن معظم "شيوخ" ذلك العصر كانوا شيوخ دين كذلك, لذلك عاش المجتمع تسامحا مثاليا بين الدين والحياه ,بين المسجد وخارجه ,بين المتدين وغير المتدين, يفرح المطوع وأهل الفريج عندما يرون أعداد المصلين في تزايد , ويفرحون أكثر, عند رؤيتهم للشباب يهرعون الى الصلاه , لا إمتداد لتاثير المسجد ولا لمطوع المسجد خارجه سوى أنهما مكان إلتقاء يتجدد , لايحتاج المسجد أن يستخدم قدسيته أو ان تستغل هذه القدسيه ,لأن روح المسجد المتسامحه تسرى في أرجاء الفريج , كبار الفريج كلهم "مطاوعه" لايزيد عنهم مطوع المسجد الا بكونه موظف لاداء هذه الوظيفه.المسجد كان مطلبا مستمرا لاهل الفرجان, فهو استكمال لدورة حياتهم واستقرارها , فهم من يمثل الدين ,ولم يتحول بعد إلى موضوع لأجنده .نستذكر هذا اليوم بعد أن تحولت المساجد الى أماكن للتحريض والدعوه للإقتتال , وبعضها لتجميع الاسلحه وزجاجات المولوتوف, وبعث الشرطه الدينيه الى الاحياء والازقه تصطاد المخطىء وتتصيد الغافل الذي يحتاج الى نصح وارشاد. في إحدى مقامات بديع الهمذاني التى تتحدث عن تفنيد ادعاءات بعض ابناء هذا العصر الذين نصبوا انفسهم حماة على الدين ومستأثرين به دون غيرهم, يحكي فيه أن عيسى بن هشام وهوبطل هذه المقامات وندمائه دخلوا المسجد ووقفوا مع المصليين خلف الامام وليس هناك ما يثير الانتباه في ادائهم للصلاه الا أن الإمام إشتم منهم رائحة الخمر ولولا ذلك لغادرت هذه الشخصيات المسجد آمنه,حيث حرض عليهم وباؤا بضرب مبرح, لكنهم لم يستبعدوا أو يعزلوا , ولم يمتد عقاب المسجد الى خارجه, وأنتهى الأمر بمجرد مغادرتهم للمسجد , هم تعرضوا لإيذاء جسدي عندما دخلوا المسجد سكارى وابعدوا , وترك حسابهم الاخروي لله ولم يمارسه المجتمع عليهم إبتداءَ بعد ذلك ,ويرجح الهمذاني تنبه الإمام الى الرائحه دون غيره من المصلين إلى أنه ربما إشتاق اليها , لذلك كان تحريضه قويا عليهم. " المقصد من هذا كله هوخطورة المسجد ودوره والإمام وما يمثله عندما يصبحان بلا رؤية انسانيه أدبيه شموليه واضحه, وينتقلان من دورهما الهام والاساسى في بناء مجتمع التناصح والتعايش إلى دور الوصايه ويمتد النفوذ بهما ليصبح الوطن كلة مسجد وصاية وتوجيه وليس مسجد عباده ودعاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق